للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كأنما غريت غر السحاب به ... فجاء مختلفاً يلقاك مؤتلفا

فلست تبصر إلا جدولا سرباً، ... أو جنة سدفاً، أو روضة أنفا

وربما كان هذا الدير (دير الأعلى) أكثر الأديرة ارتفاعاً.

قال العمري: (وله درجة منقورة في الجبل تفضي إلى دجلة نحو المائة مرقاة).

وقال ربيعة الضبي يصف إحدى الحسان:

لو إنها عرضت لأشمط راهب ... في رأس مشرفة الذرى متبتل

جآر ساعات النيام لربه ... حتى تخدر لحمه متشمعل

لصبا لبهجتها وحسن حديثا، ... ولهمَّ من ناقوسه بتنزل

ومما جاء في وصف موضع الدير الذي يكون بين الحدائق والرياض تحف به البساتين والحقول قول ابن المعتز في دير عبدون:

سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطالٌ من المطر

يا طالما نبهتني للصبوح به ... في ظلمة الليل والعصفور لم يطر

أصواتُ رهبان دير في صلاتهم ... سود المدارع، نعَّارين في السحر

وقال جحظة البرمكي في دير أشموني بقطربل، وقد خرج إليه في عيد من أعياده، فلما وصل إلى الشط، مد عينيه لينظر موضعاً خالياً يصعد إليه، أو قوماً ظرافاً ينزل عليهم، فرأى فتياناً من أحسن الناس وجوهاً، وأنظفهم لباساً، وأظرفهم آلة، فصعد إليهم وصاح بغلامه: (يا غلام طنبوري ونبيذي، فقالوا: أما الطنبور فنعم، وأما النبيذ فلا، فجلست مع أحسن الناس أخلاقاً وأملحهم عشرة، وأخذنا في أمرنا، ثم تناولت الطنبور وغنيت شعراً لي:

سقياً لأشموني ولذاتها ... والعيش فيما بين جناتها

سقياً لأيام مضت لي بها ... ما بين شطيها وحاناتها

إذ اصطباحي في بساتينها ... وإذ غبوقي في دياراتها

وعلى ذكر أشموني وخبر جحظة البرمكي وشعره فيه، يجمل بنا أن نذكر هذه القطعة البارعة لأبي الشبل البرجمي فيه، وهو كصاحبه جحظة من (عصابة السوء) النواسية:

شهدت مواطن اللذات طراً ... وجبتُ بقاعها بحراً وبرا

<<  <  ج:
ص:  >  >>