رأينا في القسم الأول من هذه الكلمة أن الثقافة العربية والثقافات الأخرى مهددة بأدب التبذل والسطحية واللذة والمجون التي تنبعث من (هوليود) و (برود واي) وتجد سبيلها إلى صميم المقومات الثقافية والخلقية للشعوب الأخرى.
ورأينا كذلك أن من حق الثقافة العربية أن تتحدى هذه التيارات الدخيلة وأن تمحصها وتختار منها ما تستسيغه وما يتفق مع ثقافتها القومية. ورأينا أن على الخاصة من أهل الدين والفكر والأدب والفن مسؤولية مضاعفة في حمل لواء الدفاع والتصدي للمتطفلين من رجال الصحافة الصفراء والثقافة السطحية، والنفعيين من رجال الأدب والفن ومنافستهم في هذه السلطة الثقافية التي ليست من حقهم والتي يفرضونها على حاضر الثقافة العربية فيدفعونها في مسالك قد تؤدي بها إلى (سطحية الذهن وعامية الفكر وسآمة الحد) ومن ثم إلى هامش الحياة وزوايا التاريخ.
ورأينا أيضاً أن الثقافة الناشئة التي تمر في عهد أحياء وتجديد كالثقافة العربية المعاصرة اكثر ما تكون تعرضاً لخطر هذه التيارات الدخيلة إذا كانت سياسة شعوبها قلقة واقتصادهم مضعضعاً وكيانهم الاجتماعي متوتراً، خصوصاً وأن تلك التيارات صادرة عن شعب له في عالم المال والسياسة والحرب نفوذ كبير.
ولو كانت الثقافة العربية المعاصرة لا تستند إلى تراث، ولا تفخر بعرف، ولا تباهى بعدد الذين ينضوون تحت لوائها لهان الأمر؛ وذلك لأن الناس ينظرون إلى ثقافات الشعوب الصغيرة نظرة استخفاف ويعدونها من قبيل (الصدف) التاريخية التي تعلق بذيل الثقافات الإنسانية ولا تساهم في جوهرها، وتجرف من ثقافات الأمم ولا تصب في جداولها، ومن قبيل ذلك مثلاً ثقافة البرتغال.
أما الثقافة العربية فقد ساهمت في جوهر الفكر الإنساني وحافظت على كثير من خصائصها على ممر السنين وتعداد القرون. وحاضرهاالآن يشمل سبعين أو ثمانين مليوناً من البشر ويتصل من قريب وبعيد بأربعمائة مليون مسلم يحتلون بقاعاً هامة في مجالات السياسة