لا نقصد الى استقصاء ألوان التفكير في الرواية. فالتفكير العميق المنساب في غير للجب ولا عنف هو من أظهر مميزاتها. وقلما تخلو منه صفحة من صفحاتها. والقارئ المطلع على الادب العالي في الأمم الراقية يألف هذه الأفكار، ولا يجد هذه المناحى من التفكير غريبة عنه. وانما براعة هذا المؤلف المسرحي حق براعته في أنه لا يشعرك بأن له فكرة، أو انه يفكر ويتفلسف. وانما هي وقائع الحال ناطقة، وهذا الذي تسمعه هو ما يجري على لسان الحال، وتنطلق به كل نفس على سجيتها في مثل هذه الملابسات
فالرواية فلها فكرة عامة خرج بها المؤلف من بعث هؤلاء الذين بعثوا. وفيها تشاؤم متغلغل خفي نكتفي بالتنويه به تاركين للقراء اكتناهه.
كما أن كل فصل من الفصول الأربعة يكاد يكون له فكرة خاصة يدور على محورها. فهو يعرض في الفصل الاول للأيمان وصنوفه: فثمة ايمان الراعي الموروث في رسوخه وبساطته من غير تحليل ولا تعليل، فهو ايمان التسليم الخاشع والعاطفة الجميلة الساذجة. فاسمع اليه يروي يوم أن ذهب الى المدينة في بعض شأنه، فلمح خارج أسوارها راهباً يتكلم في جميع صغير بين خرائب قديمة تخفيهم عن الأعين؛ فاقترب وأصغى اليه، فاذا به كأنما انقلب إنساناً آخر. فلما سأله صاحباه في الكهف عما كان يقوله الراهب؛ قال: (لست أذكر شيئاً مما قال، لكني لن انسى ما شعرت به إذ ذاك، إحساس لم يعترني في حياتي من قبل إلا مرن إذ كنت أهبط الجبل ساعة غروب، فأشرقت على منظر بالخلاء لم ار اجمل منه، فلبثت ليلتي أفكر وأستذكر أين رأيت هذه الصورة من قبل؟ أفي االطفولة؟ أفي الاحلام؟ أم قبل أن أولد؟. إن هذا الجمال على غرابته ليس مجهولا مني. وقمت في الفجر فذكرت صورة البارحة، وفجأة برقت في رأسي فكرة: هذا الجمال كان موجوداً دائماً منذ