بين مرارة الواقع ومثالية الواجب، وبين يأس يخامر قلوب الناس ورجاء يجيش في نفسي، وبين غمرة تشاؤم الكهول ونفحة من تفاؤل الشباب، أكتب مقالتي هذه مخلصاً فيما تخطه يميني، مبتغياً الإصلاح ما استطعت.
ومن الأمانة ألا أكتم القارئ أن الذي أوحى إليّ هذا الموضوع هو الأستاذ الفاضل محمود الشرقاوي في مقالته (الأزهر والإصلاح) بالعدد ٧٨٦ من الرسالة.
وللأستاذ في قلبي تجلة واحترام هو بهما جدير: لأن تفكيره في إصلاح الأزهر يعود إلى عشرين عاماً يوم كان شاباً لم يجاوز عقده الثاني، ولأنه - وهذا من جليل محامده - لم يغادر فرصة يستطيع بها خدمة هذا المعقل الإسلامي الحصين إلا انتهزها خالص النية، طاهر القلب، سديد الرأي. ولو نسي القراء مقالاته القيمة في السياسة والسياسة الإسبوعية والبلاغ فما أظنهم قد نسوا ما كتبه إلى عهد قريب عن الأزهر وإصلاحه في مجلة الرسالة التي أبى أستاذنا الجليل الزيات إلا أن يجعلها منبراً من منابر العروبة والإسلام.
وليطمئن الأستاذ الشرقاوي على أني - وقد عرفت روحه - لن أتعمد أن أسأله سؤال الأزهري أو غير الأزهري: لماذا ولمه؟ ولن أسأله عمن يريد بمقالته، أو ماذا كان يقصد بتوجيهه، لأني لا أرى أن لكل شئ ظاهراً وباطناً كما يرى بعض الناس، وإنما أعتقد في الشيء الظاهر له ولي ولكل بصير، وأحب أن أناقشه في هذا الظاهر مناقشة الخبير. . .
والظاهر من مقالة الأستاذ أنه يريد أن يقطع على الأزهريين سبيل مناقشته في موضوعه، لأنه سيدلي برأي خطير لا يقبل فيه جدالاً، ولأنه لا يحب ممن لم تنضجهم التجارب أن يأتوا بالرأي الفطير لئلا يسمعوا مقالاً. وكنت أوثر أن يرسم الأستاذ هدفه كما كان يرسمه من قبل من غير أن يكترث باعتراض المعترضين، ولا بنقد الناقدين: فنحن في عصر تحرم فيه حرية الدفاع عن بلادنا لرد عدوان الغاصبين، ونكره فيه بالقوة على هدنة كلها جور وعسف لئلا نغاضب مجلس الأمن، ولا نستطيع تحويل قضية فلسطين إلى محكمة العدل الدولية لتفصل في النزاع بين حقنا وباطل المبطلين، ولكنا ما زلنا نملك حرية الكلام والنشر والخطابة والحمد لله. فليت الأستاذ استعمل هذه الحرية كما يشاء في توجيه مقالته