يعيب علينا بعض الكاتبين أننا نستأنس بما كتبه المتقدمون في مقالاتنا هذه التي ننقد بها بعض آراء الجامعة في البلاغة، ويزعمون أن المتقدمين كانوا أصحاب أذواق مريضة، ومن العجب أن حجة الكاتب على ما يكتب هو ما ينقله عن بعض كتابنا المحدثين، أفيحرم علينا أن نستضيء بإمام البلاغة الشيخ عبد القاهر الجرجاني، ويحل لي أن يتكئ على ما يقوله بعض المحدثين؟ ليفتنا هؤلاء العلماء الأعلام الذين وجودوا في أدب عبد القاهر وبلاغته غذاءهم وريهم، وإذا أنكر منكر على هذا الأمام شيا فلن يكون هذا الشيء ذوقه. يعرف ذلك العالمون المنصفون، ثم أني كنت اعتزمت أن أرد على هذا الذي يجادلني على صفحات (الرسالة)، ولم يجد سبيلا أهدي إلى الحق من أن احتكم إلى عقول قراء (الرسالة) وكثيرون منهم يفهمون هذه المسائل على وجوهها الصحيحة، وهي بين أيديهم.
وعجيب أن نعيب على المتقدمين جهودهم في خدمة علوم البلاغة ونحن لم نفعل شيئا، لقد ظل علماء البلاغة منذ القرن الثاني للهجرة إلى أوائل القرن السابع وهم ينشئون هذه العلوم وينمونها، حتى اكتملت قواعدها على يد أبي يعقوب يوسف السكاكي، فلما جاء من بعدهم من العلماء وقف بهم الاجتهاد، ولكنهم جاهدوا وجهدوا، وخدموا هذه العلوم بما لا نرى موضعا لتفصيله الآن، فماذا صنعنا نحن؟ ملأنا أذهان التلاميذ، وغرف الدراسة بالعيب على المتقدمين والنيل منهم، والطعن في كفاياتهم، ولكن من غير أن نبني قاعدة، أو نهدم بصيرة ونصفة قاعدة، وأني لا أرى خير ما يتمثل به في هذا الموضع المثل العربي:(اسمع جعجعة ولا أرى طحنا).
وقد سمعت أن فضيلة الأستاذ الشيخ أمين الخولي يريد أن يرد على مقالاتنا هذه التي يسميها (حركة رسالة) بكتاب في البلاغة يخرجه للناس؛ وإنا منتظرون بفارغ الصبر هذا الكتاب انتظار المتعطش إلى التجديد في هذه العلوم، وقد نكون أول من يرفع الصوت في امتناحه إذا وجدنا فيه ما يعدون به، ولعله لا يكون صورة لهذه الرسائل الصغيرة التي أخرجها الشيخ ونقدنا بعضها، ثم نعود إلى مناقشته في بعض مسائل القصر إتماماً لما كنا