[عاصمة السودان الوطنية]
أم درمان
الأستاذ علي العماري
لعل الشرقيين أزهد الشعوب في معرفة بلادهم، فالحديث عنهاليس
بالعذب المستساغ عند أكثرهم، وربما بقي الواحد من مثقفيهم الدهر
الطويل في مدينة من المدن دون أن يعرف كثيراً أو قليلاً عن تاريخها
ومعالمهما. وقد يقرأ في كل كتب إلا الكتاب الذي يتحدث عن البلدان
وتاريخها، وعما فيها من آثار قديمة أو منشآت حديثة. ولا أنس أبداً
أني كنت مسافراً مرة في القطار الذي يبرح القاهرة إلى أسوان، وكان
في جانبي رجلاً في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، ويبدو من هيئة
حديثه أنه من ذويالثراء وتشعب بنا الحديث فنونا حتى وصل القطار
إلى مدينة المينا عروس الصعيد، فأطل الرجل من النافذة ثم عاد وفي
وجهه آثار الدهشة والاستغراب وقال بلهجة المأخوذ: غريبة! إن في
هذا البلد شوارع منظمة وأبنية جميلة، قلت له: أمصري أنت؟ قال:
نعم. قلت أين تعيش؟ قال: في الإسكندرية، قلت: أظنك تعرف روما
وباريس ولندن معرفة دقيقة. قال نعم، قلت: أما سافرت أبداً إلى
الصعيد؟ قال: لا، والفكرة التي في ذهني عنها تختلف كل الاختلاف
عما أراه الآن. قلت: ما هذا، لست مصرياً وإن اسمك رمسيس الأول!!
كما لا أنس أني لقيت رجلاً مثقفاً في مدينة أم درمان أكثر من أربع سنوات، وهو يسكن في الجانب الغربي منها جد قريب من ار المعهد العلمين وقد جرى مرة بيننا حديث في شؤون المعهد فسألني أين تقع دار هذا المعهد؟