للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي يقيني أن هذا الجهل يرجع إلى ضعف الشعور القومي في النفوس، فإنه كلما قوي هذا الشعور أحس صاحبه أن كل شبر من أرض الوطن إنما هو ملكه، حتم عليه أن يعرفه، وأن يعرف تاريخه، وطبعي أني لا أقصد أن كل المثقفين يجهلون معالم أوطانهم، وإننا أعني أن الجمهرة الغالبة تعني بهذه الناحية العناية الواجبة، وقد حملني على كتابة هذا المقال ما لمسته في كثير من المتعلمين عندنا من جهل بشؤون المدن السودانية.

ينساب النيل الأبيض منحدراُ من المنطقة الاستزائية، ويجري النيل الأزرق هابطاً من مرتفعات الحبشة، ويمران بمدينة الخرطوم، أحدهما على جانبها الغربي، والآخر على جانبها الشرقي، وما يكادان يصلان إلى نهايتها الغربية البحرية حتى يلتقيا، ثم يسيران متناكرين مسافة قصيرة، ويستطيع النظر السطحي ان يميز بينهما حيث يفصلهما خيط دقيقي، ولكن هذا التناكر لا يستمر طويلاً فيختلطان، ويسيران على جانب النيل الأزرق الشرقي، أما أم درمان فتقع على الضفة الغربية للنيل الكبير، وقبيل التقاء النيلين تقوم حدائق جميلة تسمى حدائق (المقرن) وهي من أحسن الأمكنة وأطيبها هواء، وفيها يقول الأستاذ العقاد:

تفسير حلمي بالجزي ... رة وقفتني بالمقرن

حلمان حظهما خيالاً ... دون حظ الأعين

ما دامت بينهما فما ... أنا سائل عن مسكني

ويعجبني قول الكتاب السودانيين يصف التقاء النيلين عند المقرن، إذ يقول: (هل استمتعت بذياك المرأى الطبيعي البديع الساحر، مرأى ملتقى النيلين الحبيبين، لقد أتى أحدهما ينساب من أقصى االجنوب، والآخر من اقصى الشرق، فأصبح هذا المكان مكان التقائهما علما مقروناً باسميهما، أنهما قد التقيا عند هذا المكان، واقترنا في شوق، بل تصافحا بجسميهما، أنهما لم يفكرا في الفكاك من هذا الاقتران ولم يفكرا

ولما التقيا قرب الشوق جهده ... حبيبين فاضا لوعة وعتابا

كأن حبيباً في خلال حبيبه=تسرب أثناء العناق وغابا

ولشد ما أعجبني تمثل الكاتب بهذين البيتين في هذا الموضع ويصل بين الخرطوم وأم درمان جسر جميل، أقيم سنة ١٩٢٨. أما مدينة أم درمان فهي مدينة كبيرة مبانيها فسيحة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>