للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[١ - الألغاز في الأدب العربي]

للأستاذ محمود عزت عرفة

اللغز. . . ومرادفاته

قد يبدو لأول وهلة أن الألغاز فن مستحدث تسرب إلى أدبنا العربي في عصوره المتأخرة، فلهج به المتخلفون من الأدباء حتى أصبح فناً قائماً بذاته، وغرضاً في النثر وفي الشعر تنصرف إليه الغاية، وتصاغ فيه الرسائل والمقطعات، كما نرى ذلك في العصر التركي وما تلاه من عهود الانحطاط

على أن النظرة الشاملة تنفى عن أذهاننا هذه الفكرة الخاطئة، وتكشف لنا عن مدى تسلسل هذا الفن مع العربية منذ أقدم عصورها

والواقع أن الألغاز - وما يجرى مجراها - لا تعدو أن تكون ضرباً من التعبير عماده اللقانة والفهم وحسن التأني والفطنة من القائل ومن المستمع جميعاً؛ وتلك نفحات ذهنية كان للعقل العربي منها منذ نشأته أوفر نصيب. واشتقاق (اللغز) في اللغة يشير إلى قدم هذه التسمية أو قدم مدلولها على الأقل، إن لم يمكن التثبت من إطلاقها على هذا الفن نفسه منذ العهد الجاهلي

يقول قدامة في كتابه نقد النثر: أما اللغز فأنه من ألغز اليربوع ولغَّز إذا حفر لنفسه مستقيماً ثم أخذ يمنةً ويسرة، ليعمى بذلك على طالبه، وهو قول استعمل فيه اللفظ المتشابه طلباً للمعاياة والمحاجاة

وأورد ابن الأثير قريباً من هذا ثم أضاف: وقيل - يعني في الألغاز - جمع لغز بفتح اللام، وهو ميلك بالشيء عن وجهه. . .

هذا وللغز مرادفات كثيرة يوردها أكثر المصادر من غير تفرقة ولا تحديد، فيقال له (اللحن) وهو التعريض بالشيء من غير تصريح، أو الكناية عنه بغيره. ومن ذلك قوله تعالى في صفة المنافقين: (ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفهم في لحن القول) قال الزمخشري: أي في نحوه وأسلوبه، وقيل اللحن أن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية. . .

ويطلق على اللغز أيضاً المعمي والمترجم والأغلوطة، والأحجية والمحاجاة (لدلالة الحجا

<<  <  ج:
ص:  >  >>