قرأنا في الصحف النمساوية الأخيرة طائفة من البحوث والنبذ الممتعة عن العلامة النمساوي الكبير زجموند فُرويِدْ، فهو اليوم في الثمانين من عمره، وقد احتفلت الدوائر الرسمية والعلمية النمسوية بهذه المناسبة العلمية، وأقيمت للعلامة الشيخ عدة حفلات تكريمية، وحفلت الصحف النمسوية، وصحف العالم كلها بمختلف البحوث والمقالات عن حياته وعن مباحثه ونظرياته. وقد غدا فرويد منذ بعيد أستاذاً ومفكراً عالمياً يوجه بجهوده وبحوثه سير العلوم والمباحث النفسية والعصبية في العالم كله، وهو يعتبر اليوم إمام هذا الفن وحجته؛ ومن الصعب أن نتحدث عن حياة فرويد ومباحثه في مثل هذا المقام الضيق؛ وإنما نذكر بهذه المناسبة عنه نبذة خبرية فقط هي التي يتسع لها هذا المقام
فقد ولد فرويد من أبويين يهوديين في مايو سنة ١٨٥٦، في فريبورج من أعمال مورافيا النمسوية، ودرس في فينا وباريس؛ ودرس القانون أولاً، ولكنه تحول عنه إلى العلوم الطبيعية، ودرس على الأستاذ (بريكة) علامة عصره؛ واشتغل في سنة ١٨٨٤ طبيباً مساعداً في أحد المستشفيات الكبرى، وفي العام التالي درس مع الأستاذ شاركو العلامة الفرنسي في علم الأعصاب، وتلقى عنه بعض نظرياته في (الهستريا)؛ ثم عاد إلى فينا وبدأ مباحثه النفسية. وفي سنة ١٨٩٥ أخرج فرويد مع الأستاذ بروير ثمرة مباحثه الأولى في كتاب عنوانه (مباحث عن الهستريا) وفيه شرح آراءه في أصل الهستريا وفي علاجها؛ واستمر فرويد في مباحثه النفسية والعصبية، وطلع على العالم في هذا الباب بآراء ومباحث مدهشة تمتاز بقوتها ومتانتها العلمية؛ وفي سنة ١٩٠٠ نشر كتابه الشهير (تفسير الأحلام) ثم أعقبه بكتابه (التحليل النفسي والباتولوجي للحياة اليومية) - ثم بكتاب (ثلاثة مباحث عن النظرية الجنسية) وقد فتح فرويد بكتابه عن الأحلام فتحاً جديداً مدهشاً؛ وخلاصة نظريته أن تفسير الأحلام عامل هام في التحليل النفسي، وأن الأجزاء التي يتذكرها الذهن من الأحلام، إنما هي أعراض لنشاط العقل الباطن أثناء النوم، حينما تفقد الإرادة تأثيرها، ويقف سير الضابط الحسي. وقد أثار فرويد بادئ بدء بنظرياته ولاسيما في باب التحليل النفسي والباتولوجي كثيراً من الخصومات العلمية، بل أثار سخرية بعض الدوائر؛ ولكنه