للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تطور علم الكلام في رسالة إنقاذ البشر من الجبر]

[والقدر]

للأستاذ محمد علي كمال الدين

من آثار الماضين المطمورة في الخزائن رسالة (إنقاذ البشر من الجبر والقدر) للشريف المرتضى المتوفى سنة ٤٣٦هـ. قام بنشرها وطبعها الشاب الفاضل علي الخاقاني النجفي عضو منتدى النشر فيها.

لم تقتصر هذه الرسالة على طلاوة الحديث وسهولة الأسلوب فقط، بل استهلت بمقدمة وجيزة متقنة الترتيب والتنسيق والتأليف، عرضت لتاريخ تطور علم الكلام لم نجد لها مثيلاً في مطولات الكتب. ويدرك الباحث قيمة هذه المقدمة عند مقارنتها مع مقدمة مختصر كتاب الفرق بين الفرق؛ فقد كان المؤلفان متعاصرين فضلاً عن أن لهما سبقاً في التأليف على معظم مؤلفي الكتب المتداولة اليوم في مثل هذه الموضوعات.

لقد قارنا بين المقدمتين فوجدنا شبهاً بين مسلكي المؤلفين، ولو أن بين موضوعي الكتابين فرقاً ظاهراً. أما وجه الشبه فإن كلتا المقدمتين تبحثان عما جد من نقط الخلاف بين المسلمين. وأما وجه الافتراق فأن مقدمة مختصر كتاب الفرق بين الفرق لم توضح العوامل النفسية والاجتماعية الداعية لهذا الاختلاف، وأنها لم ترنا نظرية جديدة في أسباب هذه الحركة الفكرية؛ أضف إلى ذلك أنها قرنت نظرية الاستطاعة مع نظرية القدر في حين أن هذا الاقتران لا يصح منطقياً إلا على رأي القائل: إن القدر مرادف للجبر، وهو خلاف رأي ذلك المؤلف نفسه؛ فإن بحث الاستطاعة وتقدمها وتأخرها عن الفعل إنما حدث بين علماء الجبر أنفسهم، فكأنما المؤلف غفل عن التطور الفكري والظروف والمدارج العقلية التي يمكن للنظريات أن تحل أو تخلق فيها؛ في حين أن مقدمة المرتضى كما ستراها علمية فنية، فقد بدأت في نظرية نسبة المعاصي ونفيها عن الله، ثم أعقبت ذلك بنظرية العدل فنظرية الاعتزال يعني المنزلة بين المنزلتين، وتلاها بنظرية القدر ويعني بها الجبر؛ على أنه راعى في ذلك كله العوامل النفسية والاجتماعية المباشرة لخلق مثل هذه النظريات التي جاءت مرتبة بعضها وراء بعض فكان منها علم الكلام

وهذا هو الذي دعاني إلى العناية بدراسة هذه المقدمة وإلى تحليلها فلعلنا نستنتج تاريخ علم

<<  <  ج:
ص:  >  >>