وأخيراً نصل معاً، أو أصل وحدي، إلى الناحية المظلمة من علي محمود طه، شاعرنا الرقيق النابه، بعد أن جد بنا المسير
تلك الناحية المظلمة التي لا يجيد كثير من القراء الظالمين أن يبصروا إلا فيها. . . وهي ناحية تسهل الكتابة فيها أكثر مما تسهل الكتابة وتسلسل في الناحية المقابلة. . . الناحية المشرقة الزاهية. . . التي تعنى بالحسنات، أضعاف ما تعنى بالسيئات. . .
من السهل جداً يا صديقي القارئ، سواء أكنت ناقماً أم راضياً، أن يتناول الإنسان أحسن الأعمال الأدبية فيردها سوءاتٍ كلها. . . ومن السهل جداً أن يغمض الإنسان عينيه عن أمجاد الكاتب أو الشاعر، فلا يرى إلا ظلمات يتدجى بعضها فوق بعض. . . وقد عاهدت نفسي ألا أقع في هذا الظلم الأدبي الصارخ وأنا أنقد أحداً من أعز الناس على أدبائنا المصريين. . . بل أدبائنا العرب أجمعين، فرب ثناء يصادف محله، فكون تزكية للعبقرية الكامنة التي تستحق الثناء وتستأهله. . . ويكون سبباً في أن تفعل هذه العبقرية الأفاعيل. . . ورب قدح ظالم لا خير فيه، يسميه صاحبه نقداً وما هو بنقد، لكنه سم يسري في بنيان نهضتنا فيثبط الهمم، ويفت في العزائم، ويحطم الآمال. . . وكم كنت أتمنى ألا أكتب هذا المقال في نقد علي محمود طه. . . لأني مهما اجتهدت في تلقف ما أنقده به، وآخذه عليه، فلن أفوز إلا بهنات هينات لا يمكن أن تنال مطلقاً من شاعريته التي نضجت، أو من فنه الذي اكتمل
وربما تركت أكثر دواوينه، فلا أعرض لها إلا من بعد، وفي مناسبات قليلة، حينما أضطر إلى ضرب الأمثال للملاحظات التي أسوقها فيما يلي. . . ربما تركت أكثر دواوينه إذن. . . لأفرغ لمنظومته (أشباح وأرواح). . . تلك المنظومة التي كان من العسير على فهمي الضيق أن يلم بها، بالرغم مما كنت أقيم به من قراءة الأساطير، ومصاحبة هوميروس وأبولونيوس وفرجيل وأبي العلاء وابن شهيد ودانتي وملتون، وطول مداعبة خيالي لأخيل وبتروكلوس وأوديسيوس وأجاكس وهكتور وباريس، وإينياس وابن القارح، وزهير بن نمير، وبياتريس، وعيسى بن مريم، وهذه النخبة الساحرة من أبطال الإلياذة والأوديسة