فمالي قرأت هذه الروائع كلها وفهمتها على وجهها ثم أجدني غبياً أشد الغباء حين أتناول هذه الأرواح والأشباح فلا أستطيع أن أبلعها. . . نله أن أهضمها، ولا أستطيع أن أطير مع الشاعر البق المحبوب في تلك الجواء التي لم أتبين ألا زوردية هي، أم هي ظلمات في ظلمات في ظلمات!
يخبرنا الشاعر في المقدمة أنه تجرد من طيفه، (أو أن روحه انسدقت من طيفها فيما يشبه أحلام اليقظة. . . وكأنه بها وراء سحابة في عالمها الذي سبق أن عاشت فيه عند بعثها الأول، وأنه وجد نفسه في طريق أفلاطون ومثله العليا، فتنفس في هذا الجو طليقاً حراً لا تقيده بيئة ولا عقيدة، ولا يحد من حريته حذر أو اتهام، وأنه أرسل بصره في هذا الطريق الصاعد البعيد فلم يصل إلى مداه، وبدأت البصيرة عملها من حيث انتهى البصر، فإذا أبواب سحرية موصدة، وراءها خفايا وأسرار، وقضايا وأقدار، وإذا به في ختام قصيدته لا نزال في ذات الطريق لم يصل إلى غاية، ولم نوف على نهاية. . .) ويخبرنا أنه سمع حواراً في عالم الأسرار والأقدار يجري بين حوريات من صواحب الفن ورباته، هن: سافو وبليتيس وتابيس. . . ثم هرمز. . . أو هرميس كما سماه الشاعر. . . يحكم بينهن. . .
فلو أن هذا هو الذي يقرأه الإنسان في تلك المنظومة الغريبة لهان الأمر ولما اتهمت نفسي بالبلادة وفهمي بالغباء. . . لكنني أقرأ من هذه المنظومة هذه المقطوعة العجيبة الشائقة (حواء) فأجد قلباً يجيد وصف المرأة. هذه الجنة التي زان بها الله وجه الحياة. . . وأجد هذا القلب يعترف بالله وبالأقدار، وذلك حيث يقول:
قضى الله أن تُغوىَ الخالدين ... وتُغرىَ بالمجد عشاقها
وحيث يقول في ختام المنظومة:
من الخير والشر إلهامها ... وما هو إلا القديم السماعْ
فدع للسماء تصاريفها ... فقد أذن البعث بعد انقطاعْ
وهي أبيات يرددها صوت من السماء. . . فأين هو هذا الانطلاق من البيئة والعقيدة؟ وأين هو طريق أفلاطون ومثله العليا؟! أقول لك الحق يا صديقي على! إني أعرفك أكثر مما تعرف نفسك. . . ورأيي فيك هو الذي أعلنته في كلماتي السابقة حينما دافعت عنك.