استكملت السيدة هورتنس دافراي في ١٨٨٢ ربيعها العشرين، وليس في قولي (السيدة) تجانفا مني ولا مينا. فقد كانت هورتنس زوجة، بل أرملة بائسة لا ولد لها يسهر ولا قريب يؤويها إلا جدتها (مدام دي برييل). . استقدمتها تلك الجدة لتشاطرها العيش في مسكنها بشارع ليل. وكانت هورتنس تنشق - بقرب جدتها - آخر نسمات العيشة العائلية الهادئة تهب عليها في ونى وهدوء. قد مضى الآن حولان كاملان على وفاة جدتها الطيبة التي ماتت حزينة قلقة على مصير حفيدتها إذ تتركها وحيدة في غياهب الفقر وأمواج الحياة. إنها عمرت ثمانين عاماً رأت فيها من تحب يتزوجون، ومن تعرف يرحلون ولم يبق منهم أحد تعهد إليه بحفيدتها البائسة.
ولما أحست مدام دي برييل بأجلها يقترب، رتبت أمرها في شهرها الأخير، كي لا تقلق بال حفيدتها. ولقد غالت الجدة في ذلك، فكانت ترمي أوراقاً كثيرة في النار وتحفظ الأخرى. وكانت الجدة تحتفظ - طوال مرضها - بصندوق صغير في دولابها الكبير. وكانت تضع مفتاحه في خيط من الحرير تحت الوسادة الحائلة. وكثيراً ما كانت الجدة تمسك الصندوق ساعات طوالا، كأنما تريد أن تنتهي من أمره إلى حل، وتتخذ حيال ما فيه قراراً. ودهمتها سكرة الموت قبل أن تقرر مصيره أو تتخلص منه.
واستشعرت السيدة دافراي قلقاً يساورها عندما عثرت يداها الباحثتان على الصندوق الصغير.
وقررت أول الأمر أن تحرقه - أمانة منها وإخلاصا - دون أن تعرف ما فيه من أسرار. ولكنها لم تفعل ذلك خشية أن تضيع - بحرقه - أداء واجب عليها أداؤه، أو وصية لا بد منها. وهكذا فتحت الصندوق وألفته مليئا برسائل جمة، لا تحمل العنوان على الأغلفة كما هي الطريقة الحديثة، ولكن تحمله على شرائح من ورق رفيع. وقد علمت - بعد أن بصرت بأول خطاب - أنها ليست رسائل جدتها مدام دي برييل، ولكنها رسائل أم جدتها - السيدة إيودكسي تيرين. وقد رأت هورتنس تلك الجدة العتيدة. فأنها لم تمت إلا أخيراً في