للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[د. هـ. لورنس]

للأستاذ عبد الحميد حمدي

٢ - ترجمة حياته

كان الأبوان على طرفي نقيض. ولقد كان لذلك كل الأثر على حياة لورنس الأولى وبعضه على الجزء الثاني منها، فضلاً عن أن هذا الاختلاف هو الذي طبع أولى كتبه بطابع خاص

فبينما كان الأب لا يكاد يجيد القراءة والكتابة إذا بالأم وقد نالت حظاً وافراً من التعليم. وبينما كان الأب يعمل كعامل بسيط في أحد المناجم إذا بالأم تنحدر من سلالة أسرة عريقة في المجد والنبل. ولكن كان الأب وسيم الشكل تبدو عليه كل إمارات الرجولة. يفخر دائماً أن الموسى لم تمس لحيته في يوم من الأيام. وكان هذا مما جذب الأم وأوقعها في حب الأب برغم ما بين طبقتيهما من فوارق. وكان كل منهما يرى في هذه الزيجة ما لا يراه الآخر، فكانت للأب وسيلة حصل بها على زوجة شابة فتانة. أما الأم فكانت ترى فيها سبباً في زجها في بيئة لم تتعودها أو تألفها طول حياتها. وكانت نظرتاهما إلى مستقبل أولادهما أبعد ما تكون عن الاتفاق، فاقترح الأب أن يذهب الأولاد إلى العمل في المناجم بينما تخدم البنات في البيوت، وهذا ما حاربته الأم بكل قواها، لأنها كانت تربأ أن يعيش الأولاد عيشة أبيهم أو أن تحيا البنات حياة أمهن البائسة

ظل هذا النضال قائماً بين الأب والأم حتى أتت الأطفال فأولتهم الأم كل عنايتها وصاروا سلوتها الوحيدة فعاشت لهم ومن أجلهم. أما الأب فقد شعر أن عاطفة زوجته كانت منصبة على الأطفال دونه، فصار لا يرتاح إلى البقاء طويلاً في المنزل، وأصبح يفضل عليه المقاهي والحانات حيث يجتمع بمن هم على شاكلته وبمن يفهمهم ويفهمونه حتى أتى الوقت الذي صارت له فيه الحانة منزلاً ثانياً. كانت زوجته تعد له طعامه وتنتظر الساعات الطوال حتى يحضر قبيل طلوع الفجر وهو ثمل لا يكاد يعي كلمة مما يقول، حتى إذا عاتبته أو أنبتته بكلمة أو عبارة انقلب وحشاً ضارباً وعاملها بمنتهى القسوة حتى إنه لم يتورع مرة أن قذفها بأحد الأدراج فشج رأسها

كان (أرنست) أول أطفالها وقد صوره لورنس صورة ناطقة في روايته (الأبناء والمحبون) تحت اسم ويليام. كان متفوقاً على كل إخوانه في المدرسة وكان لا يضيع دقيقة من وقته،

<<  <  ج:
ص:  >  >>