عندما أعلنت لجنة التحكيم في المباراة الأدبية الرسمية التي أقيمت في عهد الوزارة الماهرية رأيها في الموضوع العاشر من موضوعات المباراة وهو (النشيد القومي)، ومنحت فيه الجائزة الأولى وقدرها مائة جنيه لنشيد الأستاذ محمود صادق، اطلعت على النشيد المحظوظ في الصحف السيارة فلم أجد له في نفسي الوقع الذي يقنعني بأن هذا النشيد يصلح لأن يكون نشيداً قومياً رسمياً لبلد ناهض كمصر فيه من صفوة الأدباء ونوابغ الشعراء عدد لم يتوفر لغيره من لأقطار العربية؛ وعجبت في نفسي (طبعاً) لهذا الاختيار، ولكني عدت فاتهمت ذوقي وفهمي وشرعت آخذ آراء المحيطين بي ممن لهم بصر بالأدب فرأيتهم في الجملة يشاركونني شعوري بالنسبة لهذا النشيد، فعدت إلى اتهام ذوقي من جديد، واتهمت أيضاً ذوق من استطلعت آراءهم، وحسنت ظني في النشيد حتى أسمع تلحينه، فقد يظهر فيه التلحين محاسن لم تكن تظهر قبله، وكم كانت خيبة أملي عميقة يوم سمعت تلحين هذا النشيد من المذياع! لقد كان ميتاً لا حياة فيه؛ ولست مبالغاً في قولي هذا، فأني أشهد لقد سمعت أناشيد أخرى يلقيها فتيان الكشافة وفرق القمصان الزرقاء وجنود مصر الفتاة، ومع أن الأناشيد التي سمعتها منهم لم يُعط واضعوها عليها مائة جنيه جائزة، ولم تجد لها ملحنين يأخذون في تلحين الواحد منها مائة جنيه أخرى - كما جرى لنشيد الأستاذ محمود صادق - أقول إنه برغم كل هذا فإن الإنسان يحس الحرارة والقوة والوطنية تتدفق في الأناشيد الأخرى، مثل نشيد اسلمي يا مصر للأستاذ صادق الرافعي، ويغلب على ظني أنه لم يتقدم به للمباراة واكتفى بالنشيد الجديد الذي حاز به الجائزة الثانية. ومطلع النشيد الأول للرافعي:
اسلمي يا مصرُ إنني الفدا ... ذي يدي إن مدت الدنيا يدا