كان الأستاذ توفيق الحكيم قد كتب في أخبار اليوم كلمة بعنوان (الأديب المنقى)، قبل أن يعود الدكتور طه حسين بك من أوربا، أبدى فيها شعوراً رقيقاً نحو الدكتور، لما أذيع من أنه ساخط على بعض العلاقات والشؤون المتصلة به في مصر.
وبعد أن رجع الدكتور طه إلى مصر تحدث إلى الأستاذ بعض من يشتغلون بالإيقاع بين الناس أن الدكتور أول تلك الكلمة تأويلاً شيئاً وأتهم الأستاذ الحكيم بانعدام حسن النية فيما كتب، فلم يخف إلى لقائه وزيارته بعد العودة. . .
وتطوع الأستاذ أنور المعداوي لتصفية الجو بين الأديبين الكبيرين، فأنهى إلى الدكتور طه وساوس الحكيم، فقال الدكتور: الأمر على عكس ذلك فأنا قد قرأت الكلمة وسررت بها وبالطبع لم أجد فيها ما يحمل على سوء الظن، وإن هذا الذي نمى إلى الأستاذ توفيق هو من الدس الدنيء الذي نشكو من انتشار أصحابه في هذه الأيام. وقد كنت في إسبانيا قبل أن تصل إلي الكلمة، وألقيت في جامعة مدريد محاضرة عن الأدب المصري الحديث، كان لتوفيق الحكيم فيها أكبر من نصيب، فقد أظهرت فضله وسبقه في التأليف للمسرح وشغل ذلك نحو نصف المحاضرة ثم ابتسم الدكتور طه ابتسامته اللطيفة وقال: ألا ترى أن ما بلغ توفيق الحكيم كان يدعوه إلى أن يصحح الموقف ويعمل على إزالة ما علق به من غبار؟
والواقع أن مجالس أدبائنا عامرة بالإخلاص الذين يتقربون إليهم بأمثال تلك الدسائس، وقد يحمل بعضهم على ذلك رغبته في أن يظهر بمظهر المتصل المطلع الذي يعرف ما قال فلان والذي هو من الشأن بحيث يتحدث إليه فلان عن فلان!
ومما يدعو إلى الأسف أن أدبائنا يأخذون بهذه الترهات ويتأثرون بها في علاقاتهم. ومن العجب أنهم كفوا عن الخصومات الأدبية، ولكنهم لم يبرؤوا من الصغائر الشخصية. من أن الأولى هي الأجدر أن تكون من دون الثانية.
وتدل القصة السابقة على أنه من الممكن أن يقضوا على القيل والقال بالمواجهة والتواصل، ويتبينوا حقيقة ما يقال لهم. وهم أولى الناس بذلك، لأنهم الحصفاء الذين يمحصون الكلام ويعرفون زيفه من صحيحه.