للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مصر وقت الفتح الفاطمي]

والعوامل التي مهدت لهذا الفتح

للأستاذ محمد عبد الله عنان

كانت مصر وقت الفتح الفاطمي، فريسة هينة للفاتح؛ بيد أنها لم تكن كذلك قبل الفتح الفاطمي بنصف قرن فقط. وقد ثابت للفاطميين مذ شادوا ملكهم في إفريقية، نية في غزوها وامتلاكها، فغزوها أكثر من مرة، واستولوا على بعض نواحيها، ولكنهم ارتدوا عندئذ أمام جند الخلافة وجند مصر؛ ذلك أن مصر لم تكن فريسة هينة، وكان يشرف على مصايرها باسم الخلافة جماعة من الجند والزعماء الأقوياء ينظمون مواردها وقواها الدفاعية حين الخطر الداهم؛ وكان الفاطميون من جهة أخرى يغالبون في المغرب خطر الانتقاض المستمر، ويقوم ملكهم الفتي على بركان يضطرم بعناصر الخروج والثورة، حتى لقد كادت دولتهم الناشئة تنهار في المهد تحت ضربات القبائل البربرية الخصيمة وذلك في عهد ثاني خلفائهم القائم بأمر لله. على أن الخلافة العباسية التي استطاعت في فوره من القوة في عهد المكتفي بالله أن تسحق الدولة الطولونية وأن تسترد مصر منها، لم تستطع أن توطد سلطانها الفعلي في مصر، وإن كانت قد استعادت سلطانها السياسي والديني فيها، وكان الزعماء الأقوياء الذين يحكمونها باسم الخلافة مثل تكين الخزري، وذكا الرومي، وابن كيغلغ، وابن طغج، يتمتعون بكثير من الاستقلال، وربما نزع بعضهم إلى انتزاعها من يد الخلافة كما فعل أحمد بن طولون من قبل، وكما فعل محمد بن طغج (الأخشيد) فيما بعد، وكانت هذه النزعة الاستقلالية، ذاتها عاملاً في ضعف سلطان الخلافة في مصر، وفي المباعدة بينها وبين مصر، وقلة اهتمامها بشؤون هذا القطر النائي ومصايره؛ ولكنها كانت من جهة أخرى عاملاً في حرص أولئك الحكام والزعماء الطامحين على الدفاع عن مصر وحمايتها من غارات المعتدين عليها والمتطلعين إلى امتلاكها. وكان جل اهتمامهم في ذلك على جند مصر ذاته، ولكن الشعب المصري لم يكن يعطف دائماً على أولئك الحكام الأجانب خصوصاً ومعظمهم من الفرس أو الترك المستعمرين، فكان الزعماء المحليون ينزعون دائماً إلى منافستهم ومناوأتهم، وكان الجند كثير التمرد والثورة، يتبرم بأطماع أولئك الزعماء وجشعهم في استخلاص أرزاقه؛ فكان تعاقب الولاة ومنافساتهم في تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>