- وفي هذا يزدري الفيلسوف البدن، فتفر منه روحه وتود أن تنعزل بنفسها
- هذا صحيح
- حسناً، ولكن بقي شيء آخر يا سمياس، أثمت عدل مطلق أم ليس له وجود؟
- لا ريب في أنه موجود
- وجمال مطلق وخير مطلق؟
- بالطبع
- ولكن هل حدث لك أن رأيت واحداً منها بعينيك؟
- يقيناً لم أره
- ألم تدركها قط بأية حاسة جثمانية أخرى؟ (ولست أتحدث عن هذه وحدها، بل كذلك عن العظمة المطلقة وعن الصحة وعن القوة وعن كُنْه كل شيء، أي حقيقة طبيعته) ألم يأتك علمها قط خلال أعضاء الجسد؟ أليس الذي يريد عقله على أن يتصور كنه الشيء الذي هو بصدد بحثه أضبط تصورٌ، إنما يسلك أخصرَ السبل التي تؤدي الى معرفة طبائعها الكثيرة؟
- يقيناً
- أما من يظفر بمعرفتها أسمى ما تكون نقاء، فهو ذلك الذي يسعى اليها واحدة واحدة، فيتناولها بالعقل وحده، دون أن يأذن للبصر او لغيره من الحواس الأخرى بالتطفل او التدخل في مشاركة العقل وهو منصرف الى التفكير، بل ينفذ بأشعة العقل ذاته، بكل صفاتها، الى ضوء ما فيها من حقائق، بعد أن يكون قد تخلص من عينيه وأذنيه، بل ومن كل جسده، الذي لا يرى فيه إلا عنصر تهويش، يعوق الروح عن إدراك المعرفة ما دام متصلاً بها - ليس أرجح الظن أن يظفر مثل هذا الرجل بمعرفة الوجود، إن كانت معرفته في مقدور البشر على الإطلاق؟