- أو ليس لزاماً على الفلاسفة الحق إذا هم اعتبروا ذلك كله أن يغوصوا في أفكارهم، فاذا ما التقوا تحدث بعضهم الى بعض عن تفكيرهم بمثل هذه العبارة: إنا اهتدينا الى سبيل من التأمل قمينة ان تنتهي بنا وبالجدل الى هذه النتيجة: وهي أنه مادمنا في أجسادنا وما دامت الروح ممتزجة بهذه الكتلة من الشر، فلن تبلغ شهوتنا حد الرضى، إنها لشهوة الحقيقة، ذلك لأن الجسد مصدرٌ لعناء متصل، علته هذه الحاجة الى الطعام، وهو كذلك عرضة للمرض الذي ينتابنا فيحول بيننا وبين البحث عن الحقيقة، وهو كما يقول الناس، أبداً لا يدع لنا السبيل الى تحصيل فكرة واحدة، لما يملأنا به من صنوف الحب والشهوات والمخاوف والأوهام والأهواء، وكل ضرب من ضروب الجهالة، وإلا فمن أين تأتي الحروب والمعارك والأحزاب إن لم تكن آتية من الجسد وشهوات الجسد؟ فالحروب يثيرها حب المال، والمال إنما يُجمع من أجل الجسد وخدمته، ومن جراء هذا كله يضيع الوقت الذي كان ينبغي أ، ينفق في الفلسفة، هذا ولو تهيأ للفلسفة الميل والفراغ لنفث الجسد في مجرى التأمل الشغب والاضطراب والخوف ليحول بيننا وبين رؤية الحقيقة، وقد دلت التجارب جميعاً على أنه لو كان لنا أن نظفر عن شيء ما بمعرفة خالصة لوجب أن نتخلص من الجسد، ولزم على الروح أن تشهد بجوهرها جواهر الاشياء جميعاً؛ ولست أحسبنا إلا ظافرين بما نبتغي، وهو ما نزعم أننا محبوه، وأعني به الحكمة، لا اثناء حياتنا بل بعد الموت كما تبين من الحديث. فان كانت الروح عاجزة عن تحصيل المعرفة وهي في رفقة الجسد، فالنتيجة كما يظهر أحد أمرين: إما أن تكون المعرفة ليست على الاطلاق حقيقة بالتحصيل، وإما أن تحصيلها يكون بعد الموت إن كانت جديرة به؛ فعندئذ، وعندئذ فقط، تنعزل الروح في نفسها مستقلة عن الجسد، وأحسب أننا في هذه الحياة الحاضرة نسلك أخصر السبل إلى المعرفة، لو كنا نبذل نحو الجسد أقل ما يمكن بذله من عناية وشغف، فلا نصطبغ بصيغة الجسد، بل نظل أصفياء إلى الساعة التي يشاء فيها الله نفسه ان يحل وثاقنا، فاذا ما ظهرنا من ادروان الجسد، وكنا اتقياء، وتجاذبنا مع سائر الأرواح النقية أطراف الحدث، تعرفنا أنفسنا في الأشعة الصافية التي تضيء في كل مكان، فلا ريب أن ذلك هو ضوء الحقيقة، فلن يُؤذن لشيء دنس أن يدنو مما هو طاهر، إنه لن يسع محبي