(تعد هذه المرثية من أبلغ المراثي في الشعر الإنكليزي، قرأها على صديقي الأستاذ حيدر الركابي فنقلتها إلى العربية كما فهمتها)(علي)
للأستاذ علي الطنطاوي
قُرع الناقوس ينعى النهار الآفل، وراح القطيع يزحف ببطء يتسلق الهضبة راجعاً إلى القرية؛ وعاد الفلاح إلى البيت يجر رجله تعباً. . . وبقى العالم لي وللظلام!
تدثر الكون بالسواد، وتوارى عن الأنظار، وسكنت الدنيا سكوناً مَهيباً، ولم يبق في الجو نامة تسمع، إلا هذه الأصوات العميقة تفيض بها الأودية البعيدة والشعاب النائية، وإلا طنين حشرة تطير، ونعيب بومٍ على تلك الدوحة، يشكو ظلم الناس وعدوانهم على وكره الآمن.
هنالك. . . عند تيك الشجرات القديمات، تحت تلك الرِّجام التي يزدحم عليها العشب، ويتكوَّمُ الكلأ. . . كان (أجداد القرية) ينامون إلى الأبد في حفرهم الضيِّقة، وأجداثهم العميقة.
لا يوقظهم نسيم الصباح الأرج، ولا تغريد البلبل الطَّرب ولا زقاء الديك المزهو، ولا زمّارة الراعي السعيد. . . كل ذلك لم يعد يوقظهم من رقدتهم.
لا. ولن توقد من أجلهم نيران المدافئ، ولن تقوم في خدمتهم ربات المنازل، ولن يهتف أطفالهم اللُّثغ فرحين بمقدمهم، ولن يتسلَّقوا ركبهم يستبقون إلى أحلى تمْنيةٍ لهم قبلة من آبائهم عند عودتهم إلى منازلهم وأهليهم.
كم كان المنجل العضب لسواعدهم، وكم كانت الأرض الصّلدة تشقق تحت معاولهم، والغابة القاسية كم لانت لضرباتهم.
كان عملهم مفيداً، وحياتهم مجدية، فلا يسخر الطموح من مسراتهم الهينة، وحياتهم المجهولة، ولا تستمع العظمة هازئة حديث الفقر، وقصته الساذجة القصيرة.
فان فخر القواد، وعظمة الأقوياء، وكل ما تمنحه الثروة، ويأتي به الجمال. . . كل ذلك ينتظر الساعة التي لا مفر منها، والغاية التي لا محيد عنها، لا فرق في ذلك بين عظيم وحقير، لأن طريق المجد لا ينتهي إلا إلى القبر!