قلت لنفسي وجحيم يلفح الوجوه في يوم من أيام الأسبوع الماضي: أنحن حقاً في الربيع؟. . أين هو الربيع الذي يفيض على الحياة من رقة أنسامه، ويضفي على الأحياء من روعة أحلامه، ويوحي إلى الأقلام من سحر معانيه؟!.
الربيع في لغة الفن بسمة ترف على الشفة، وومضة تشع في العين، وفرحة تختلج في الشعور، وهمسة تحلق في فجاج الروح. . .
والربيع في لغة الطبيعة زهرة تفوح بالأرج، وطير يصدح على غصن، موجة تهدهد موجة، ونسمة تداعب نسمة، ونغم ينساب من خرير جدول. . فأين لغة الفن والطبيعة من لغة الواقع الذي نعيش فيه؟!.
الربيع عندنا حلم من أحلام اليقظة يستغرق فيه الخاطر ولا تراه العيون، وصفة من كتاب الطبيعة نطالعها في وجوم وحيرة، ونطريها في سكون وصمت. . ثم لا تثير بعد ذلك في حنايا الضلوع عاطفة!
وقلت لنفسي: إن أدبنا لو خلا من الروح فهو مظلوم. . أين الطبيعة الوادعة التي يستطيع في رحابها أن يتنفس، وأين الأفاق الحانية التي يتهيأ له في ظلها أن يعبر، وأين الأجواء الطليقة التي تمده بينابيع الجمال ليتدفق ويفيض؟!.
لا شيء في أيدينا من هذه النعم التي اصطفى بها الله أرضاً دون ارض، وخص بها سماء دون سماء. . . وبشراً يموجون في موكب الحياة دون بشر!!
من صفاء الطبيعة يستمد الأدب إشراقه اللفظ، ومن إشعاع الطبيعة يقبس الأدب حرارة العبارة، ومن ألوان الطبيعة يرسم الأدب جوانب الصورة، ومن توثب الطبيعة يحلق الأدب على أجنحة الفكر والخيال. . . ولكننا محرمون من الربيع في ريعانه، ومحرومون من عيد الطبيعة في أبانه؛ ومن هنا عاشت نفوسنا في حرمان من البهجة التي تفيض ولا تقطر، وعاش أدبنا في حرمان من الموهبة التي تبدع ولا تقلد، وانتهى بنا المطاف إلى لون من الفن الكئيب الذي ينقل عن الطبيعة الواجمة كال معنى حزين، وكل فكرة حيرى، وكل