والظاهرة التي تتجلى في وزارة المعارف بوضوح وقوة، أنها لا تنظر إلى الدراسات التي تجد في مصر نظرة المستفيد، فقد قامت في مصر ثورة قوية على البلاغة ودراساتها العتيقة، حمل لواءها أول الأمر الدكتور طه حسين ثم الأستاذ أحمد أمين، ورسما للنقد الأدبي منهجاً إن لم يكن واضحاً كل الوضوح، فهو - على أية حال - يصح أن يتخذ بذرة لطرق الدراسة التي تصحح الذوق وتقوم الأدب. ورسم الأستاذ الزيات رسماً صحيحاً لطريقة تناول الدراسات الأدبية، ولو أنه لم يعرض للناحية المنهجية، ولكن وزارة المعارف لم تعبأ بهذه الصيحات، وكأنها لا تعنيها هذه الثورة على تلك الدراسات القديمة العقيمة، فليبق تلاميذ المدارس حيث هم - يتلون سورة الاستعارة التصريحية، والمكنية، ويخرجون المجاز المرسل والعقلي، دون أن يصححوا ذوقاً، أو يفهموا نقداً. وآية أخرى على غفلة الوزارة عن الدراسات العلمية أن الأستاذ إبراهيم مصطفى كتب كتابه (إحياء النحو) وفيه ثورة قوية على العوامل، وتيسير كبير على الدارسين، ولكن الوزارة مضت على غلوائها سادرة لا تتلفت ولا تنظر، ولا تقف لإهابه مهيب، ولا تصيخ لصوت داع!.
وها هو ذا المجمع اللغوي يعزم عزمته لتيسير الكتابة، وتسهيل القراءة، ويجمع اللجان ويناقش الآراء ثم يكتب في ذلك الكتب واسعة البسط، وتلقى المحاضرات طويلة الذيل، وتفحص الآراء في المجلات الأدبية والصحف السيارة، ووزارة المعارف مغمضة العين، سائرة في طريقها المعهودة ولو كانت ممتلئة بالأشواك والوحول.
ذكرت ذلك كله عندما أمسكت بكتاب المطالعة المقرر على آخر سنة في المرحلة الابتدائية فوجدته كله مضبوطاً ضبطاً تاماً، على زعم أن في هذا تسهيلاً للقراءة، وإفادة للقارئ ولكن الممعن لا يجد من هذا التسهيل شيئاً، وأكاد أزعم أن فيه إرباكاً له وتشويشاً عليه، ولو أن الكاتب - سهل الله له - ضبط ما هو بحاجة إلى الضبط، ولم يعن نفسه بالضبط التام لكان في ذلك الخير كل الخير. خذ مثلا جملة:(حضارة قدماء المصريين) تجد أن الذي يحتاج إلى ضبط هو (تاء) حضارة (همزة) قدماء، (ميم) المصريين، وليس وراء ذلك ما يدعو