إلى تعنيه الكاتب والطابع قد نقول: إنه محتمل، ولكن - لسوء الحظ - نجد في هذا الإمعان في الضبط مساءة إلى القارئ نفسه، ومشغلة له عن القراءة، فهو لا يستطيع أن يتابع الحروف والضبوط، والمعاني في وقت معاً.
ولو أن للوزارة عيناً ترى وأذناً تعي، لفقهت ما قاله الأستاذ الجارم بك، في تقريره بشأن الضبط فهو يقرر أن القارئ للكلام التام الضبط (يقطع أوصال العبارات، لأنه مشغول بتحديد البصر، وإعمال الفكر، تحسساً لضبط ما يقرأ قبل أن يقرأ حتى يستطيع أن يقرأ).
ولو عنيت بأبنائها لرحمتهم من تلك حال، حال المطالعة في كتابها المضبوط التي يقول فيها عبد العزيز باشا فهمي:(فتراه كالمجذوب المتوجد، أو المكروب المتجلد، جاحظ العينين تارة، أخرزهما أو أخوصهما تارة أخرى، مضروب اللسان باللعثمة أو الغمغمة أو الفأفأة أو غيرها من ضروب الارتتاج).
أفلا يجدر بنا - بعد - أن نقتصر على الضروري في الضبط، حتى نخلص بالتلميذ في بعض الجرائد بعد ضبط ما تلجئ الضرورة إلى ضبطه فكنت أجدهم في القراءة أسرع، وعلى الفهم أقدر، إذ لا يعتور ألسنتهم تلك العقل العاقلة التي تحبسها وتلويها وتحول بينها وبين الانطلاق والإسراع.
وإذن، فما كان أجدر أن يشتمل كتاب المطالعة على موضوعات قصيرة يسيرة خالية من الشكل سهلة حتى يمكن التلميذ أداؤها في ثقة واطمئنان، وتكون محكا لاستفادته في قواعد اللغة، وامتحاناً لقدرته على ضبط أواخر الكلمات ومتونها.
فإذا جاوزنا الضبط، وذهبنا نفتش موضوعات الكتاب وجدناها شكولا وأنماطاً، مجموعة من كل ما تباعد وتناءى وازور ووجدنا الرابط بينها هو التنافر والتناكر، فمكة المكرمة، تجاور الموز وفائدته، وسياسة الرعية تتاخم الورق، وقناة السويس تصاحب الحية والأخوان، والإمام علي يرافق البريد في مصر. فهذا الخلط الذي لا يرعى للقربى ذماماً، محال من المحال أن يكون هذا الترابط الذي ننشده وتنشده المعلومات لتتداعى وتتماسك، وأيا ما كان فالكتاب من حيث موضوعاته يعتبر ثورة قوية ناجحة على طريقة المشروع التي ترمى إلى تأليف المعلومات واجتذاب بعضها إلى بعض! ولو أن ثمت لفته يسيرة لأمكن أن يقوم الكتاب على وحدات متناسقة متآخذة، فإذا جئنا بموضوع مثل مصر، جاز أن نضم إليه: