كانت خطتي التي اعتزمتها أن أدع كتاب (التصوير الفني في القرآن) وشأنه مع القراء والنقاد، يصنعون كيف يشاؤون، بعد أن فرغ بيني وبينه كل حساب!
ولكن بعض الذين تفضلوا بالكتابة عنه قد أثاروا أسئلة ومباحث حول الموضوع ذاته، فلم تعد المسألة مسألة كتاب التصوير الفني ولكنها مسألة القرآن، وهي بهذا الوضع تصلح لحديث متصل، ولا يعد حديثي عنها عودة إلى كتاب بذاته. وهذا ما يبيح لي أن أخالف خطتي في هذه النقطة وحدها. وسأدع للقراء والنقاد كل ما يعن لهم خاصاً بتقدير كتابي دون اعتراض عليه، ولن أناقشهم إلا فيما يتناول الموضوع ذاته، وهو ملك لي كما هو ملك لهم بطبيعة الحال!
وجه إلي الأستاذ نجيب محفوظ سؤالاً، ولاحظ على فصل من فصول الكتاب ملاحظة قال:
(فأما السؤال فإنك تحدثت عن التصوير والتخييل والتجسيم والتنسيق الفني، وكل أولئك روح الشعر ولبابه قبل أي شيء آخر. أفلم يخطر لك أن تحدد نوع كلام القرآن على ضوء بحثك هذا؟)
وأنا احسبني قد أجبت على مثل هذا السؤال حينما قلت في صفحة ٨٣ من الكتاب وما بعدها من الفقرات.
(جاء في القرآن الكريم: (وما عَّلمناه الشِّعرَ - وما ينبغي له - إنْ هو إلا ذكْرٌ وقرآنٌ مُبين).
(وجاء فيه حكاية عن كفار العرب: (بل افتراهُ. بل هو شاعر).
(وصدق القرآن الكريم، فليس هذا النسق شعراً. ولكن العرب كذلك لم يكونوا مجانين يوم قالوا عن هذا النسق العالي: إنه شعر!
(لقد راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بما فيه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل. وتلك خصائص الشعر الأساسية، إذا نحن أغفلنا القافية والتفاعيل.