امتاز القرن السادس عشر بنزعة التحليل، ولعل (فرنسيس بيكون) كان حامل لوائها، فهو في القسم النقدي من (المنطق الحديد) يصف ما يسميه (أصنام العقل) وهي أغاليط تنتاب العقل وتحول بينه وبين الصواب ويسميها بيكون: أصنام الكهف، وأصنام السوق، وأصنام القبيلة، وأصنام المسرح. ولكي يكون العقل منتجاً لا بد من هدم هذه الأصنام.
وجاءت فلسفة ديكارت ثمرة طيبة لثورة بيكون، تأمل ديكارت في نفسه وفيما حوله، فشك في كل شيء طائعاً مختاراً حتى اهتدى إلى أول حقيقة هي (أنا أشك فأنا موجود) وعرف عن خاصية نفسه أنه (شئ يفكر) ورأى أن الناس سواء في (العقل) هو أعدل الأشياء توزيعاً بين الناس، ولكنهم متفاوتون في الوصول إلى الحقيقة لاختلاف مناهجهم، فاختط لنفسه (منهجاً لإحكام قيادة العقل والبحث عن الحقيقة في العلوم) ولئن لم يصرح ديكارت بأن منهجه إنما قصد به القضاء على المنطق المدرسي العقيم إلا أنه ينم عن هذه النزعة الثائرة، واستفاد حقاً من المنطق المدرسي ومنطق بيكون والتحليل الهندسي جميعاً.
وعلى كل حال فإن منطق أرسطو، وأرجانوم بيكون ومنهج ديكارت كلها آلات تعصم مراعاتها من الوقوع في الخطأ والزلل. وهذا اتجاه فكري له أصالته في تاريخ العقل من غير شك.
وما كان ديكارت - وهو المفكر الجريء - بقادر على أن يهدم التراث الفكري دفعة واحدة، فقد اصطلحت عليه العوامل الدينية والواجبات المدنية والتكاليف الاجتماعية فلم يقدر على دحضها، وإن كان قد مسها مساً هيناً ليناً. وبحسب العقل عنده أن يكون قوة الحكم الصحيح أي القدرة على التمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والجميل والقبيح بشعور داخلي تلقائي مباشر. وأيا ما كان من سلوك ديكارت فإنه فوض كل تفسير إلى الله، وترجم بذلك عن روح مسيحي خالص.
ولقد سار على هذا النحو (بوسويه) فهو يقول: (الفهم حيث يبدع ويتداخل يسمى روحاً ومن حيث يحكم ويوجه نحو الحق والخير والجمال يسمى عقلاً أو ثم أن العقل حيث يجنبنا شر الإنسان الذي هو الخطيئة يسمى الضمير ويقول في نفس الكتاب (العقل هو