منذ أعوام قلائل احتفلت فرنسا بذكرى إحدى مدنها العتيقة، وهي مدينة قرقشونة (كاركاسون) الرومانية لمناسبة مضي ألفي عام على قيامها؛ ومازلنا نذكر مما أفاضت به الأنباء يومئذ طرافة هذا الاحتفال وروعته وأهميته من الوجهة القومية. وقرقشونة إحدى مدن ولاية (سبتماينا) السبعة، وقد كانت مدى حين معقلا إسلاميا في جنوب فرنسا؛ ومازالت على صغرها وتواضعها شهيرة بآثارها الرومانية وتأريخها الحافل أيام الرومان والقوط والعرب
وان مصر لتستطيع أن تفخر بمدنها الألفية عنوان تراث مجيد وحضارة خالدة؛ ويكفي أن نذكر في هذا المقام عاصمتيها الجليلتين، الإسكندرية ثغرها العظيم التالد، والقاهرة عروس العواصم الإسلامية؛ فقد قطعت الإسكندرية من عمرها المديد أكثر من ثلاثة وعشرين قرنا؛ وأشرفت القاهرة على ألفها؛ وإذا كانت العاصمة الكبرى تقترب من عيدها الألفي بخطى سريعة فإن من بواعث الأسف أن يقترب هذا اليوم التاريخي العظيم دون أن تتأهب مصر للاحتفاء به وإحاطته بما يجب من ضروب الإشادة والتكريم؛ ومن بواعث الأسف إلا يرتفع حتى اليوم صوت رسمي ينبه إلى هذا الحادث القومي الجليل، وينوه بخطورته وأهميته، ويدعو المختصين إلى الاهتمام بأمره
ولقد احتفلت مصر بالأمس بالعيد المئوي لوزارة معارفها، واحتفلت من قبل بالعيد المئوي لمدرسة الطب، والعيد المئوي للمدرسة الخديوية، والعيد الخمسيني لإنشاء المحاكم الأهلية، وغيرها من المواقف والحوادث القومية، وأدركت ما وراء الاحتفاء بهذه المناسبات التاريخية من بعث للماضي، وتكريم للذكريات المجيدة، وإذكاء للعاطفة القومية، ووصل بين مراحل تأريخنا. بيد أن هذه الذكريات والمناسبات الحافلة تبدو ضئيلة متواضعة إلى جانب الاحتفاء بالعيد الألفي للقاهرة
ذلك أن الاحتفاء بالعيد الألفي للقاهرة المعزية يعتبر حادثاً منقطع النظير في تأريخ مصر الإسلامية. وليس بين عواصم العالم الكبرى سوى مدن قلائل قطعت عمرها الألفي؛