وأشهرها وأعظمها من الوجهة التاريخية هي بلا ريب أثينه والإسكندرية ورومه وقسطنطينية. وإذا كان العالم الإسلامي يضم عدة مدن ألفية أخرى، فإنه ليس بينها من تضارع القاهرة في ضخامتها وجلالها وأهميتها السياسية والفكرية والاجتماعية
ألف عام هجرية كادت تنقضي على قيام المدينة الفاطمية المتواضعة، القاهرة المعزية أو قاهرة المعز لدين الله؛ ففي ١٧ شعبان سنة ٣٥٨هـ (٧ يوليه سنة ٩٦٩م) دخلت الجيوش الفاطمية بقيادة جوهر الصقلي قائد المعز الفاطمي مدينة مصر أو مدينة الفسطاط غازية ظافرة، وعسكرت عند مغيب الشمس في الفضاء الواقع في شمال غربي الفسطاط؛ وفي نفس الليلة وضع القائد جوهر تنفيذاً لأوامر المعز أول خطة في مواقع المدينة الجديدة التي اعتزم الفاطميون إنشاءها بمصر لتكون لهم منزلا ومعقلا. وحفر أساس قصر جديد في نفس الفضاء الذي نزل فيه جيشه، فكان هذا مولد القاهرة التي سميت كذلك تفاؤلا وتيمناً بالنصر؛ وقامت المدينة الجديدة بسرعة تتوسطها القصور الفاطمية والجامع الأزهر الذي أنشئ بعد ذلك بأشهر قلائل (في جمادى الأولى سنة ٣٥٩) ليكون منبراً للدولة الجديدة وملاذاً لدعوتها؛ ولم تلبث أن غدت منزل الخلافة الفاطمية مذ قدم المعز لدين الله إلى مصر بأمواله وأهله وبطانته وتوابيت أجداده، واستقر في عاصمته الجديدة في رمضان سنة ٣٦٢هـ (يونيه سنة ٩٧٣م)
ولبثت القاهرة مدى حين ملوكية عسكرية لا تضم سوى القصر الفاطمي ودواوين الحكم وخزائن المال والسلاح ومساكن الأمراء والبطانة ومن إليهم من التباع النازحين في ركب الغزاة؛ ولكن لم يمض جيل واحد حتى واحد حتى اتسعت جنبات المدينة الجديدة ونمت نمواً عظيما وترامت معالمها وأحياؤها إلى ما وراء السور الذي أنشأه حولها القائد جوهر واتصلت بمدينة مصر (الفسطاط) وامتزجت المدينتان وتداخلتا وصارتا تكونان معا مدينة من أكبر وأعظم مدن الإسلام في العصور الوسطى. وكان اسم القاهرة يطلق اصطلاحا على المدينة الفاطمية التي يضمها السور الذي أنشأه القائد جوهر ثم وسعه وأعاد إنشائه أمير الجيوش بدر الجمالي في أواخر عهد المستنصر بالله (سنة ٤٨٦هـ ـ) وأدخل فيه عدة أحياء ومواقع جديدة: وأما المناطق التي بقيت خارج السور والتي كانت تمتد فيما بين الجامع الطولوني وقلعة الجبل إلى الجهة المقابلة على ضفة النيل، فكانت تعرف بظاهر