القاهرة، وكان اسم مصر يطلق دائما على الفسطاط القديمة، ويطلق على المدينتين معا (مصر القاهرة)
ومازالت معالم القاهرة المعزية وحدودها القديمة قائمة يحدها من الشمال موقع باب الفتوح وباب النصر والسور الذي يصلهما وهو بقية من سور أمير الجيوش بدر الجمالي، ويحدها من الجنوب باب زويلة، ومن الشرق سفح الجبل، ومن الغرب موقع الخليج القديم، وما يلي ذلك حتى ضفة النيل، وما يزال الجامع الأزهر قائما وسط المدينة القديمة حيث قام منذ ألف عام تحيط به معظم الأحياء والدروب الفاطمية القديمة بعد أن تغيرت أسماؤها ومعالمها
ولقد شهدت القاهرة في ظل الخلافة الفاطمية ألواناً من العظمة والبهاء والبذخ قلما شهدتها في ظل دولة إسلامية أخرى؛ ومع أنها نمت بعد ذلك نمواً عظيما. واتسعت جنباتها وأحياؤها حتى غدت في القرن التاسع الهجري أضعاف ما كانت عليه أيام الفاطميين، فإنها لم تستطع بمثل ما سطعت في عهدها الأول، ولم تشهد مثل ما شهدت فيه من مواكب الخلافة الفخمة، ورسومها وأعيادها الباذخة ولياليها وحفلاتها الباهرة؛ كانت القصور الفاطمية آية الفخامة والبهاء وإن الخيال ليضطرم إلى الذروة حينما يستعرض تلك الصور الرائعة التي تقدمها إلينا الروايات المعاصرة من عظمة الخلافة الفاطمية وروعتها في مظاهرها العامة، وعن حياة الخلفاء الخاصة داخل القصر وأبهائه وأجنحته المنيفة. وقد كان القصر الزاهر يشرف من الغرب على ميدان شاسع يسع عشرات الألوف من الجند والنظارة يعرف بميدان بين القصرين، وهو اسم شهير في تاريخ القاهرة المعزية شهرة ميدان (القديس مرقص)(سان ماركو) في تاريخ البندقية، وقد سمي كذلك لوقوعه بين القصر الفاطمي الكبير والقصر الصغير المواجه له وهو المعروف بالقصر الغربي؛ وقد لبث (بين القصرين) أيام الدولة الفاطمية مسرحاً لأعظم المواكب والمظاهرات الخلافية والعسكرية، والحفلات العامة، ولبث بعد زوال الدولة الفاطمية عصراً أعظم ميادين القاهرة، وازخرها عمارة وأشدها احتشاداً، وإنك لتستطيع أن تتبع كثيراً من أخبار الخلافة الفاطمية والشعب القاهري في ميدان ما بين القصرين، كما تستطيع أن تتبع كثيراً من أخبار الجمهورية البندقية في ميدان القديس مرقص، كلاهما امتزج بحياة الدولة والشعب، واتخذ مكانة فيها.