للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إلى المجهول]

للأستاذ عبد الرحمن شكري

المقدمة

الولوع بالمجهول من أمور الحياة والطبيعة والنفس والكون والشغف باستطلاعه وكشفه هو الذي أخرج الإنسان من المعيشة في الكهوف ومن حضارة العصر الحجري من عصور الحضارة وأزال عنه خوفه من مظاهر الطبيعة ببحث تلك المظاهر، وهو الذي أدى به إلى كشف القارات والبحار وزاد علمه بالسماء، وعلمه ركوب الهواء في الطائرات حتى طمع في الوصول إلى الأفلاك، وذلك الولوع بالمجهول هو الذي جعله يخترع مخترعات الحضارة التي زادت حياته بهاء ومتعة وراحة ولذة، وجعله يجد لذة حتى في ركوب الأخطار من أجل كشف مغاليق الكون والحياة والطبيعة ويستشعر اللذة حتى فيما قد يصيبه من الألم أو الهلاك في أثناء بحثه المجهول من أمور الحياة والكون، والولوع بالمجهول هو الذي أدى إلى سيطرة الأمم القوية التي تمكنت من كشف المخترعات التي زادتها قوة واستعلاء، وإذا بحثت عما يميز أبناء الدول القوية التي تمتعت بالثروة والسطوة والعلم والحضارة عن أبناء الأمم المتأخرة التي لا تزال تعيش في الكهوف أو الغابات أو في المدن أو الأحياء المتهدمة القديمة الفقيرة الموبوءة بالأسقام والأقذار المغلوبة على أمرها لرأيت أن صفة النفس التي ميزت أبناء الشعوب القوية السعيدة المسيطرة على الحياة والناس هي الصفة التي تجعلهم يجدون لذتهم في كشف مغاليق المجهول من أمور الحياة، والأمة التي تريد أن تعلو وأن تأخذ مكانتها تحت الشمس ينبغي أن تهيئ لأبنائها نوعاً من التربية والتعليم يبث في نفوسهم حب استطلاع المجهول وكشف مغاليقه. أما التعليم الذي لا يبث هذه الصفة في النفوس فهو تعليم لا يليق إلا بالذين يجدون لذتهم في حياة الخمول من المألوف الذي أصبح كالمخدرات، وكلما كان فقدان صفة حب استطلاع المجهول من النفوس أوضح وأظهر من أجل المؤثرات التاريخية المذلة المؤخرة كان ذلك أدعى إلى إصلاح نظم التعليم، وإلى اتخاذ التربية التي تزيل هذه المؤثرات. والمراد بهذه القصيدة الدعوة إلى بث صفة حب استطلاع المجهول في نفوس النشء لأن نفوس النشء تحب استطلاع الغريب والمجهول بطبيعتها وترى لذتها في ذلك قبل أن تعلمها التقاليد والأوضاع

<<  <  ج:
ص:  >  >>