لندع هذا ونتحدث عن إعجابنا بموقف الدكتور من الرثاء عند السيد حيدر ولا سيما في رثائه لأل البيت وبخاصة الإمام الحسين، فقد وفى الدراسة هنا عمقا وتحليلا وتحدث عن العوامل النفسية والثقافية التي هيأت للشاعر هذا الجو الفسيح وكونت منه شاعراً متين التعبير قوي العاطفة مشبوب الإحساس يستطيع أن يحلق بجناحين من صدق الشعور والأداء مع الشريف الرضي ومهيار الديلمي. وأهم هذه العوامل كونه علوي النسب يتصل بالإمام الحسين، وكونه نشأ يتيما فقيراً، ثم ثقافته التي تلقاها في مدينة الحلة تحت رعاية عمه السيد مهدي الشاعر المعروف وتردد على أندية بغداد والنجف حتى ذاعت شهرته في العراق بما وهب من قلبه للألم والحسرة، ومن لسانه للتعبير الصادق، فترك سبعا
وعشرين قصيدة معظمها في مأساة الحسين وكلها من وحي الألم الدفين واللوعة المكبوتة. ومن هذه الروائع قوله في قصيدة يرثي بها الإمام الحسين ويبدؤها بالفخر والتحسر:
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم ... فلا مشت بي في طرق العلا قدم
لا بد أن أتداوى بالقنا فلقد ... صبرت حتى فؤادي كله ألم
عندي من العزم سر لا أبوح به ... حتى تبوح به الهندية الخذم
لا أرضعت لي العلا ابنا صفو درتها ... إن هكذا ظل رمحي وهو منفطم
والقصيدة طويلة فيها من الملاحم تصوير البطولة في أعنف أدوارها، ومن المآسي نهاية هذه البطولة إلى القتل الشنيع، ذلك هو موقف الحسين كيف بدأ وكيف انتهى. وكل قصائد السيد حيدر في فاجعة كربلاء لا تقل أهمية عن هذه القصيدة من حيث التصوير والعاطفة.
وكنت أود من الدكتور أن يضع السيد حيدراً في مصاف شعراء المآسي أمثال (إشيل) و (اسفوكل) و (اوروبيد) قبل أن ينتظر منه آلام (فرتر) وتأملات (لامارتين) فإن المآسي توجد في كل زمان ومكان. وقد وجد السيد حيدر مأساة حقيقية علقت دماؤها بالفرات وامتد