للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضرورة الإفصاح عن الرغائب]

للأستاذ حسين الظريفي

كان مما تناولناه في مقال لنا سابق عن الرغائب، تلك القوة الديناميكية التي تتمتع بها الرغبة، وتندفع إلى الظهور؛ وما تلك القوة إلا وليدة ذلك الرباط الذي تربط به بالغريزة. والغريزة لا ريب تراث ذلك الماضي الطويل الذي يظل يتقهقر ويتقهقر حتى يتصل بأول الخليقة؛ فليس مما يقع في الإمكان أو يتصور في الأذهان، أن تبطل هذه الغرائز، أو ينعدم ما تتمخض عنه من الرغائب، ونحن لم نزل في ظروف وبين وقائع إن لم تكن مثل تلك التي احتضنت الإنسان الأول فإنها لها مقاربة. وما كان لبشر أن يحيا مجرداً عن الرغائب، وهي التي تشعره بوجوده وتدفع في طريق الأمل والعمل

والحقيقة التي يدور عليها مركز ثقل الموضوع في هذا المقال، هي أن الرغبة لا تخلو إما أن تكون تطوراً لغريزة، أو عوضاً عنها. فنحن كنا نعيش بالغريزة العمياء، حتى إذا أبعدت الحياة في مراحل التقدم، أخذت بعض الغرائز تستحيل إلى رغائب بحيث لا يبقى لها من اثر فيما استحالت إليه، إلا ذلك المعنى الذي يدفع أو يمنع. ونحن إنما نطوّر الغريزة إلى رغبة، أو نستبدل هذه بتلك، بذلك العامل الفكري الذي تمتع به الإنسان منذ عهده الأول فحدا به إلى التقليد تارة وإلى التجربة مرة أخرى، حتى انتهى به المطاف في مراحله الكثيرة إلى أن اصبح مجموعة رغائب بقدر ما كان مجموعة غرائز

وأخذت الرغبة من أمها الغريزة ما لها من قوة وفتوة، وأصبحت في نفس الإنسان مظهر قلق من هذا، وعامل إقدام أو إحجام من ذاك، ولكنها على كل حال تأبى إلا أن تدُرك مالا يُترك، وإلا بقيت في النفس شغلاً شاغلاً أو علة دفينة. فنحن لا يمكن أن نشعر بالسعادة ولو كانت محدودة في النوع وفي الزمن، ما دامت إحدى رغائبنا القوية لا تصل إلى ما تريد الوصول إليه. تلك هي العلة في شكوى أكثرنا مما يقع لهم في الحياة، حتى تكاد تضيق بهم على الرغم ما لها من سعة وما فيها من متعة. فتيار هذا الشعور إنما يرجع إلى مصدره في أعماق النفس ولا شأن له مع الخارج

غير أن قضاء هذه الرغبة وحده لا يكفي في إيجاد الشعور بالسعادة، وإنما يجب أن يرى هذا القضاء على شكله النافع لمن قامت هي عنده ولغيره من الناس. فالرغبة في ذاتها لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>