جاء في المقالة التي نشرتها (الرسالة) عن (الفلسفة والإلهيات) مترجمة عن الأستاذ الفرد جيوم، بقلم الأديب الفاضل توفيق الطويل عبارة مروية عن شيخ الكتاب أبي عثمان الجاحظ في صدد الدعوى بأن مرد الفلسفة العربية في مادتها وصورتها وغايتها إلى حضارة البلاد التي غزاها العرب، وأن المعين الذي استقوا منه مذاهبهم هو الفلسفة اليونانية.
والذي يجب التنبيه إليه أولاً هو أن هذه العبارة مروية بالمعنى، بل بأصل المعنى، لا بالنص الذي كتبه الجاحظ، والذي لا ينبغي أن يعدل عنه أو يتسامح في إيراده، إذا كنا نلتزم الأسلوب العلمي (الجامعي) في البحث والاستشهاد، ولا سيما حين يكون النص المروي من ميراثنا الأدبي، ردّ إلينا، وورد في سياق عربي وموضوع عربي، ثم كان بعد ذلك لإمام من أئمة الأدب العربي. أما أن يترجم النص إلى الإنجليزية، مع ما تستلزمه طبيعة الترجمة من إضعاف المعنى وإخفاء بعض خصائصه، ثم ترجمة هذه الترجمة إلى اللغة العربية، فصنيع غريب من شأنه أن يهلهل المعنى وينهكه، حتى لا يبقى منه في العبارة المنقولة إلا ظل خفيف ناصل. ولقد عرض الجاحظ نفسه لهذا المعنى في كتابه (الحيوان) في سياق كلامه عن الترجمة وخصائصها.
ولكن وزر هذه المخالفة للأسلوب العلمي لا يرجع، فيما نحسب، إلى المترجم الفاضل بقدر ما يرجع إلى ضعف الروح الأدبية العربية التي تركت الجاحظ - وهو شيخ الكتاب وأمير البيان العربي بلا منازع - مغمور القدر مجهول المكان، وتركت ما أبقت عليه أحداث الزمن من ذخائر كتبه - وهي طرف فنية لا تكاد تظفر المكتبة العربية بما يناظرها - وكأنما هي كتب ألغاز وطلسمات من كثرة ما منيت به في نشرها من تحريف وتصحيف وخرم وتشويه وسوء طبع وفساد كبير.
أما أصل هذه العبارة المترجمة فهو - فيما نرى - ما يلي: (مأخوذاً من كتاب الحيوان، الجزء الأول، صفحة ٤٢، ٤٣ في أثناء الفصل القيم المستفيض الذي كتبه الجاحظ في