سيقول ولدي: اذكر أنني في ليلة من ليالي الشتاء القارس جلست إلى جانب والدي وقد حاطني بذراعيه وكان يمتحنني في دروسي، ولما تطرقنا إلى الجغرافيا وأوضاع الدول والأمم، سألني في أية سنة تم تقسيم فلسطين يابني؟ فاجبته على الفور: سنة ١٩٥٠ يا والدي!.
فربت على كتفي وقال: عافاك الله، حقا انك لتلميذ نبيه، ولكن هل طالعت شيئا عن تاريخ ذلك التقسيم وكيف حصل؟
قلت: قرأت في كتاب تاريخ فلسطين للأستاذ سعيد الزيتاوي الصادر في يافا سنة ١٩٦٥، والذي أقرته وزارة المعارف العربية الفلسطينية، أن مشروع التقسيم لاقى وقتئذ مقاومة عنيفة من العرب واليهود على السواء. وكانت وجهة نظر العرب في ذلك كما أوجزها الأستاذ الزيتاوي في كتابه تتلخص في أن الموافقة على التقسيم يعني الاعتراف بحقوق اليهود في جزء من فلسطين وانه يخول اليهود حق إقامة دولة لهم في أراضيهم وتأليف جيش وفتح باب المهاجرة إليها على مصراعيه، ثم انه يمكنهم من تصميم الصناعات في دولتهم الأمر الذي يهدد كيان الدولة العربية الاقتصادي، وان الدولة اليهودية في ذلك الجزء من فلسطين ستصبح المخفر الأول للرأسمال الأمريكي في الشرق الأوسط!. . كما أنها ستكون مصدر متاعب لا نهاية لها للجمعية العمومية الدوليه، ولمجلس الأمن العالمي!
وهنا قاطعني والدي وقال: ولكن ألم يكن اليهود أحرارا في تل أبيب والمستعمرات اليهودية؟ ألم تكن لهم مجالسهم البلدية وصناعاتهم المحلية، ومدارسهم الأهلية؟ وهل كان العرب يتدخلون في شئون اليهود الخاصة؟ أو هل كان بمقدور أية أسرة عربية أن تسكن تل أبيب؟ أو هل كان يحق لعربي أن يقيم له حانوتا في مستعمرة (بني براك) مثلا؟ أذن كان التقسيم واقعا فعلا قبل سنة ١٩٥٠، وكل ما فعلته لجنة التقسيم الدولية أنها خططت