ارتبكت لدى سماعي اعتراض والدي هذا والتزمت الصمت، إلا انه ابتسم وقال: يظهر أن معلومات الأستاذ الزيتاوي كانت غير كافية، فجاء كتابه التاريخي هذا ناقصا، وهذا عيب لا يغتفر للمؤرخ النزيه.
واسترسل والدي قائلا: شرحت لي وجهة نظر المعارضين من العرب لمشروع التقسيم فهل لك الآن أن تبين لي وجهة نظر ذلك الفريق من العرب الذين أيدوا مشروع التقسيم بواسطة حزبهم المعروف بحزب الديمقراطية الأحرار العرب؟
قلت: روى لنا الأستاذ الزيتاوي في الصفحة ٩٧ من كتابه المذكور، أن أنصار التقسيم من العرب رأوا في التقسيم الحل الوحيد للقضية الفلسطينة، لأنه يضع حدا فاصلا للمطامع الصهيونية، ويمكن العرب من إقامة دولة مستقلة لهم في فلسطين، فيضربون حولها نطاقا حديديا قوامه الخنادق والمخافر والأسلاك الشائكة المكهربة، والجيش العربي الفتي المتيقظ المجهز بأحدث الأسلحة؛ ثم أن العرب إذا ما رأوا أنفسهم في جوار دولة مالية صناعية مخيفة تمسكوا بناموس المنافسة والتطور واستنجدوا برؤوس الأموال العربية وأرسلوا أبناءهم إلى البلاد الراقية ليتخصصوا في مختلف العلوم والصناعات، وهكذا فلا تنفضي حقبة من الزمن حتى يكون العرب قد أقاموا في فلسطين مجتمعا عربيا راقيا فاضلا تتضاءل إزاءه أخطار الدولة اليهودية، ويصير مصيرها إلى التلاشي أو إلى البقاء في الشرق كما هي أمارة تنشتاين في الغرب!
قال والدي: أحسنت الجواب. . . لكن هلا حدثتني عن موقف اليهود من مشروع التقسيم وكيف قبلوه؟
قلت: هذا ما افتقر إليه كتاب الأستاذ الزيتاوي ولم يتطرق إليه إلا لماما واذكر انه قال: أن غلاة الصهيونيين عارضوا مشروع التقسيم بشدة. فمنهم من نعته ب (غيتو) يهودي كبير ومنهم من قال أن الدولة اليهودية بمقتضاه تكون بمثابة (معتقل) للمهاجرين اليهود! وان المهاجرين لن يجدوا متسعا لهم في تلك الرقعة الضيقة فيزاحم بعضهم بعضا فينغص عليهم عيشتهم، وتتحول دولتهم إلى جحيم لا يطاق! أما أنصار التقسيم منهم، فيدحضون هذه المخاوف بقولهم: ستنمو الدولة اليهودية عموديا لا أفقيا!