للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[هذه المعركة المزمنة بين أدبين!]

للأستاذ كرم ملحم كرم

إنها لمعركة مزمنة حقاً هذه المعركة بين الجديد والقديم. فهي معركة حامية لا تنطفئ لها نار ولا يخبو منها أوار. فالشباب والمشيب يتطاحنان. المتربع في القمة يصارع الواقف في ساحل الحياة، الضاحك للمستقبل، المتقلب في أحضان الربيع، الناعم باخضرار العيش، يقاتل من يحاذر الوقوع في اللجة. الهاتف بملء فيه (الغد لي) يغالب التمسك بأذيال الحياة لئلا يبتلعه الموت! ومعركة القديم والجديد بدأت منذ الأزل وسوف تتصل بالأبد. فأن هذا التطاحن بين الأمس وأبن اليوم حديث كل يوم. هذا التطاحن بين أبن الأمس الخائف على مكانته من التهشيم والتحطيم، وأبن اليوم الراغب في أن يشق لنفسه طريقاً إلى الشمس، القائل للقديم المزمن: (دعني أحتل مقعدك!.)، هذا التنافر أبن عصور ودهور، انبثق يوم انبثاق الكون، وسيرافق الكون في مراحله الطوال لا يزول منه إلا يوم يزول فالشباب يغيظه أن يطأطيء الرأس للمشيب، أن يعترف له أبداً بالسيادة، أن يقف حياله مكتوف اليدين، فيصبح به: (نلت نصيبك من دنياك فلا تحرمني نصيبي!. . .) فيأبى من أدركهم المشيب أن يتزحزحوا من أماكن استقروا فيها بعد جهد ومشقة. ويغضب الشباب وفي أعصابه جمر ونار فيثور وتنشب المعركة. ولا يسلم الفريقان من شظايا القدح والنقد والتعريض. الشيخ العتيق يسخر بثمار عقول الشباب. والرائع في مقتبل العمر يهز بيده المهند الصقيل مهدداً متواعداً، وتتساقط الضحايا في الميادين. ويقول القائلون: (المعركة بين القديم والجديد!. . .) ويخيل إلى بعضهم أن الأدب القديم هو ما جاد به الطاعنون في السن. وأن الأدب الجديد هو ما يتحفهم به كل ناضر العود. على حين أن بين ذوي الأنياب الصفر فئة لا يبلى لها طارف ولا تليد. فالجديد ما تنفث وتكتب وتنظم، كما أن بين الفتيان الأفراخ الزغب الحواصل، فريقاًلا يحسن الابتكار ولا التوليد، فانه لغارق في القديم إلى الأذنين، ويأبى أن يحارب كل من أسن وشاب وشاخ، وبات على قيد خطوة من يومه الأخير!

وهذه المعركة لا يصح القول عنها أنها بين أدب قديم وأدب جديد. إن هي إلا بين المشيب والشباب، بين قوم تمتعوا بأطايب جهرهم وأدركوا الشهرة الواسعة والصيت البعيد، وقوم

<<  <  ج:
ص:  >  >>