يريدون قسمتهم من قرص الحلوى. فهم نهمون شرهون جائعون، يلتمسون الأكلة الشهية يتذوقها، مع، انهم في الخطوات الأولى من عهد الفطام.
ومثل هذا النظام ما خلا منه عهد. أما سمعنا جريراً يقول حين سئل في الأخطل: أدركته وله ناب واحد، ولو أدركته وله نابان لأكلني!
فالأخطل أكبر من جرير سناً. وقد تحكك به جرير ليدرك المنزلة العليا فأدركها، وهناك من شاء الإقتداء بجرير في التحكك بالطاعنتين في السن. نريد بشار بن برد الشاعر الفحل الضرير. فقد راش بسهامه جريراً. على أن جريراً لم يرد عليه. وكان يقول حين يبلغه طعن بشار: مالنا ولهذا الغلام الخامل الغر نرفع قدره!
فقيل لبشار: بم أساء إليك جرير؟ قال: لم تنلني منه إساءة. على أني وددت أن يهجوني. ولو فعل لكنت لأشعر شعراء العرب أجمعين!
وغاظ المعري أن يسمع:(هل غادر الشعراء من متردم؟.) فانشد قصيدة من عالي الشعر جاء فيها:
وإني وإن كنت الأخير زِمانه ... لآت بما لم تستطعه الأوائلُ
فالتطاحن بين القديم والجديد ليس ابن يومه. فكل يريد المقام الأول. والشجيرة يؤلمها أن تخيم عليها الشجرة فتسعى إلى امتصاصها كي تذبل وتجف. هي سنة تنازع البقاء. الشاب يدفع الشيخ إلى الهوة ليقوم مقامه، والقوي ينشب أظفاره في الضعيف لتخلو له الساحة. وقد يكون هذا الشيخ من أنصار التجديد. ولكن الشاب لم يطق ظلمه، فحفر له الحفرة ووقف يشهد مصرعه فيها.
إذاً من هم أنصار الأدب القديم؟
من هم المتمسكون به والداعون إليه؟
لا جدال في أن الأدب القديم ركن الأدب الجديد. فالأدب الجديد لم ينشأ عفواً، بل تسلق قواعد القديم وشيد عليها قواعده الخاصة يستند إليها ويحيا بها. فالأدب القديم أبوه، على أن الابن وأن يكن تغذى من أبيه فقد أظهر فيما شيد لنفسه من بنيان انه مستقل. فأن حجارة هيكله تختلف في حجمها ولونها وشكلها عن حجارة هيكل المتقدمين. بل هو خالفهم في البناء نفسه. فجعلوا هيكلهم مستطيلاً. فأبى إلا إن يشيد هيكله مستديراً، وبنوه عالي القباب