في صدر هذه الليلة عانيتُ متاعب كادت تقصهم ظهري، وكدت أخشاها على حياتي، ثم لطف الله فتبددت بعد ساعات كانت أطول من الآبادَ
فما تلك المتاعب؟
هي متاعب خلقتها أوهام في غاية من السخف، ولكن النص عليها واجب لمنفعة القراء، فقد يكون فيهم من تعتريه مثل تلك الأوهام في بعض الأحوال
التفتّ بغتةً فرأيت نفسي تراجع طوائف من الذكريات الموصولة بمعاملاتي مع جماعات من المعارف والأصدقاء، فانقبض صدري أشد الانقباض، وتجسمت أمام خيالي ألوان الأوهام بصورة لم أشهد مثلها من قبل، صورة مروَّعة قاسيتُ منها ما تقاسي النار من الريح العَصُوف
وفي فورة تلك الكروب جاء لطف الله فرأيتني أقول: ومَن أولئك وهؤلاء حتى أعاني في العتب عليهم مثل هذا العذاب؟ إذا غدر بك القريب فليس بقريب، وإذا تجنى عليك الصديق فليس بصديق، ومن واجبك أن تحفر قبراً تدفن فيه من لا يرعى حق القرابة، ولا يحفظ عهد الإخاء. ما اهتمامُك بمن يرضيهم أن تَشقَى نفسك؟ وما عتبُك على من يسرهم أن تزلّ قدمك؟ وما حزنُك على ضياع مودّة كان يجب أن تضيع لأنها في رعاية الضائعين؟! أمن أجل خلائق مِراض القلوب تُمرض نفسك؟ أمن أجل إخوانٍ غَدَرة تؤذي قلبك؟ أهؤلاء وأولئك يستحقون أن تفكر فيهم ساعةً من ليل؟ وهل أكرموا أنفسهم حتى يكرموك؟ وهل أعزوا حياتهم حتى يُعزوك؟ إن حزنك لما صنعوا معك دليلٌ على أنك دائم الإشفاق عليهم، وقد نصحك الشاعر صادق رستم حين قال:
شرُّ البليَّة إشفاقٌ على فئةٍ ... لو كنت تؤكل ما عفُّوا ولا شبعوا
تبيتُ تبكي لَصرف الدهر يفجعهم ... ولو رأوك على الأعناق ما دمعوا؟
لا تشفق عليهم، وأشفق على نفسك أيها الغافل عن حقائق الخلائق؛ فلو أنك استبقيت ما أنفقت من الوقت في صحبتهم لتنفقه في تربية الخنازير، لكنتَ اليوم من كبار الأغنياء. . . وقد نصحك المثل المصري فما انتصحت، المَثل الذي يقول: (كلُّ ما تزرع ينفعك، إلا أبن