للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تأملات]

في ذهني صورة منك تنسخ كل صورك: صورة استسلام يحمل كل معاني المنعة، ويعصمك من عيني ومن يدي ومن حسي، وكان خليقاً أن يغريني بك، فلم يغرني. . . ملأني إكباراً لك وتدلهاً بك، لأن فيك شيئاً مقدساً يحميك دائماً من الأعين والأيدي، وحول رأسك هالة من الطهر تحوطه مرفوعاً ومطرقاً فاختلاس النظر إليك نوع من العبادة لا يخفره إليك الشيطان، وأنت في صمتك بليغة، تتحدثين بألف صوت كالسينمفوني. . .

جوارحي دائماً مشغوفة بك، مشوقة إليك، يطربها حديثك ويناجيها صمتك، وتستلهم الوحي من إطرافك. . .

تُرَى يا فتاتي، بمن كان شغلك، وفيم كنت تطرقين؟. . . لا يغرنَّني الغرور، فأحسب اتجاهك كان إليّ، وأنت إلى غير الغرض تتجهين. . . بل أنت في أكبر الظن تتساءلين: ماذا تحسين؟ أخداع هو أم يقين؟. . . وتقولين في نفسك: أيجوز أم لا يجوز أن أجيب نداءً ليس بعد من القلب، ولا هو من وراء القلب. . . ولكنه يوشك أن يصدر عن الصميم؟؟

تقولين في أكبر الظن: إني فتاة عديمة التجربة، وهاأنا ذي أتعرض للتجربة، أأقدم أم أحجم؟ وإذا أقدمت ماذا يكون؟ إنني لا أملك الإقدام، لأنه شر، ولا أملك مع هذا الإحجام. . . إنني أتردد وسأبقى مترددة إلى يوم الدين، ومن كان مثلي فسلامته في الاعتصام لا في الإقدام. . . وقد اعتصمت بحبل الله، وحفظت جميله، ومنحته ودي، وجازيته على حبه حباً عذرياً طاهراً. . . أحس الغبطة فيه، ويثير مع ذلك في نفسي الأشجان

إذن فليكن ما تشائين ولي نقف في حبنا يا فتاتي على قدم المساواة؛ فأنت عندي أسمي من أن أقف وإياك في مستوى واحد، وأكرم من أن أحشر وإياك في صعيد واحد. . . وإني بذلت لك من نفسي أكثر مما بذلتِ لي من نفسك. . . لكن العبرة بقيمة ما أبذل وما تبذلين؛ وقد بذلتُ لك عاطفة جياشة لم أحبسها، وبذلت عاطفة مكبوتة جاهدت في كبتها، فجاءت عاطفتي الجياشة أرخص من العاطفة التي زلتِ تكبتين. . . وتجاوزت إليك الحدود، ووقفتِ أنتِ دائماً مني عند حد. . . فأنا أسخو بما لا يكلفني جهداً، وأنت تبذلين جهداً جباراً فيما تكبتين وتكبحين

لا أدرك مبلغ ألمك لأنك صبوحة دائماً، لكني أحس الصراع في نفسك بين واجبك نحوي وواجبك نحو الله وقد تبدو المقابلة بين الموقفين نابية، لكن الواقع لا ندحه عن ذكره

<<  <  ج:
ص:  >  >>