للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[قصة الفتنة]

بين الأزهر ودار العلوم!

للأستاذ الطاهر أحمد مكي

أنا متهم بإثارة الفتنة بين الأزهر ودار العلوم!. . .

اتهمني بها أصدقاء ردوا علي في صحيفة (الأخبار الجديدة)، وزميل اختار لرده (الرسالة) واتهمني بها أناس كثيرون، يربطني بهم إخاء ثقافي، أو صداقة علمية، أو زمالة وطيدة، ولم يحاول واحد منهم جميعاً، أن يتعرف الدوافع، أو يتقصى ما وراء الأمر من أسباب.

كانت كلمتي في (الأخبار الجديدة) ذات شقين، أولهما دفع ما أثاره بعض الزملاء، من أن هناك تعصباً يقع عليهم، وحيفاً يصيبهم، وأحمد الله كثيراً، على أن بينهم من نفى ذلك كله، وقال كلمة الحق، وهو أن مرجع التفضيل لدى مفتشي اللغة العربية، جهد الإنسان ذاته وإخلاصه وتفانيه، وسكت الباقون فلم يثبتوا شيئاً، وإن عز عليهم أن يعترفوا بالحق لذويه!

وقصة هذه الشكاوي تمثل في واقعها مأساة أليمة. . . مأساة الأخلاق حين تنحدر، والوفاء حين ينضب، وكلمة الحق حين تغيض من الشفاه؛ ذلك أن اللغة العربية كانت تجد في أشخاص القائمين عليها، اضطهاداً مزرياً من وزارة المعارف، وكان هؤلاء الرجال يدفعون هذا الاضطهاد بكل ما أوتوا من قوة، اضطهاد يسنده استعمار غاشم، يريد أن يحطم معنويات الشعب بتحطيم لغته، ويمكن له دعاة مرتزقة، يريدون للاستعمار أن يبقى ليعيشوا، وتظاهره أرستقراطية كاذبة، ترى في العربية تأخراً يخدش زهوها ويؤذي شعور بنيها، ومن ثم كان موظفو وزارة المعارف يتفاوتون تبعاً لاختلاف ثقافاتهم، فعزل ذوو الثقافة العربية منهم، عن كل ما يؤدي إلى إدارة وسلطان، أو يشعر بتقدير أو عرفان، وفيهم من يحملون من الشهادات التربوية أعلاها، ومن الثقافة العربية أعمقها، ومن اللغات الأجنبية أحياها، على حين ارتقى غيرهم درجات وزارة المعارف صعدا، فتفاوت النظراء وتباين المثلاء، ولولا بقية من إيمان لأصاب اللغة، تدريساً وطريقة وإنتاجاً، شر كبير. فليس أقتل لحيوية العامل من الإهمال، وليس أقضي على نشاط الذكي من الجحود، ولا أجهز على إخلاص المنتج من نكران الجميل!

كان هؤلاء الرجال يقاومون ذلك كله في عناد وصلابة فبلغوا مما يؤملون شيئاً، وبقي دون

<<  <  ج:
ص:  >  >>