جاء في كتاب الأغاني أن الأخطل الشاعر قال لرجل من شيبان:(إن الرجل العالم بالشعر لا يبالي وحق الصليب إذا مر به البيت العائر السائر الجيد أمسلم قاله أم نصراني) وكل نقاد العرب قديماً وحديثاً يقولون مثل هذا القول سواء أكان الناقد من أدباء المذهب الجديد أم أدباء المذهب القديم. ولو أن محدث الأخطل سأله عن اليهود والبوذيين لأضافهم إلى النصراني في قوله. وأنت ترى أن الأخطل أراد أن يؤكد قوله فحلف بحق الصليب. وكان كثير من المسلمين يفضلون الأخطل على غيره من شعراء عصره بالرغم من النعرة الدينية في قوله. وكان يحدث هذا في صدر الإسلام ولم يكن الدين في صدر الإسلام أقل أثراً في نفوس المسلمين منه اليوم، وإنما كان الأدباء وسامعو الشعر أعرف بتذوق الشعر وأكثر حظاً من نشوته وأريحيته من قراء اليوم. ولم يكن بين الأدباء في صدر الإسلام من يحس خوفاً على منزلته بين الأدباء والشعراء فيدفعه إلى أن يقول إن النصرانية أسقطت شعر الأخطل. نعم إن جريراً يعير الأخطل بخضوعه لرجال دينه. ولم يبحث النقاد عن عقيدة أبي تمام كي يحكموا بها على شعره. ولم يقل أحد من أمراء الشعر والنثر في عصور الأدب العربي إن الأُخُوَّة في الشعر أُخُوَّةَ في الله، أو أن الأُخُوَّةَ في الله أُخُوةٌ في الشعر. فهل كان أمراء البيان في الشعر والنثر في تلك العصور الطويلة على ضلال لا يفهمون الشعر ولا يجيدونه ولا يتبينون أصوله وشروطه وسننه ولا يعرفون كيف يتذوقونه؟ أم أنهم أصابوا عندما قصروا الأخوة في الدين على شعر حواشي ومتون كتب الفقه الديني؟ أليس ادعاء بعض أدباء العصر إحلال عامة الشعر منزلة شعر حواشي الفقه الديني دليلاً على فساد الذوق الشعري في هذا العصر؟ ثم أليس في اتخاذهم وسائل الدول السياسية بنشر الدعوة ضد منافسيهم واتهامهم أنهم أنصار إبليس والرذيلة، ما يدل على جانب من الضعف، وعلى أنهم إنما يريدون استغلال تعصب العامة وأشباه العامة في عصر لا يدرك