السيد معروف الرصافي رحمه الله شاعر عربي فحل، ولد في العراق ونشأ فيه، اشتغل بالتعليم في العراق والآستانة والقدس ودخل مجلس النواب العثماني نائباً عن متصرفيه - المنتفك - من أعمال العراق. عاصر عبد الحميد واكتوى مع الشعوب العثمانية عامة بنار مظالمه، فتألم لشدة وقع تلك المظالم ولكنه لم ينطو على ألمه شأن المستضعفين من الناس الذين يقع الظلم على رؤوسهم فيطأطئون تحت صارين، وينصب الأذى على نفوسهم فيحتملون الأذى خاضعين، بل ثار على الظلم ثورة عنيفة صاخبة وقاوم الأذى مقاومة قوية صارخة. وقد شهد الانقلاب العثماني وسقوط الجبار عن العرش، فثارت الحمية في نفسه وصاح في وجه الجبار بصوت متهدج جهوري يحمل كل عواطف إرواء الغليل وشفاء الصدر، ورأى طلعة الدستور البهية مشرقة على الإمبراطورية العثمانية فكبر وهلل ورحب بالدستور ترحيب الصب المستهام وتغنى بحسناته بأعذب الأنغام.
خالط الاتحاديين وهم في منصة الحكم وفي ظل الدستور فأطرى مؤنباً عاتباً معنفاً. ورأى توثب العرب للنهضة وتحفزهم للنضال في سبيل الحرية فأحس بإحساسهم ومشى في صفوفهم يثير في نفوسهم ما كمن من القوة ويحرك في عواطفهم ما خمد من الانطلاق والحركة. واتصل بالملك العربي بالشام والعراق وبالحركات الوطنية في العراق وسوريا وفلسطين فابتأس وتنعم وبكى وتبسم.
والرصافي كما عرفناه في القدس بالمعاشرة، وفي شعره بالسماع والمطالعة، عميق الشعور حاد الذكاء مرهف الحس حائر النفس قلق العواطف مكبوت الرغبات، وهو على علمه وفضله وعلو كعبه في اللغة والأدب وعلى سبقه في الحركة العربية القومية وجليل أثره في ميدان الكفاح في سبيل الحرية والاستقلال كان يعيش في ضنك من الحياة وبؤس في العيش ولكن هذا الضنك وهذا البؤس لم يؤثرا على عزة نفسه ولم يسلماه لغير الكرامة وعلو الهمة. وكثيراً ما كان يتمثل بهذا البيت: -