[رثاء الجارم]
للأستاذ محمود غنيم
(ألقيت في حفلة التأبين التي أقامتها جماعة دار العلوم للمغفور
له علي الجارم بك)
عرش ينوح أسى على سلطانه ... قد غاب كسرى الشعر عن إيوانه
طوت المنون من الفصاحة دولة ... ما شادها هارون في بغدانه
في ذمة الفن المقدس عازف ... لقي الحمام على صدى ألحانه
لما تهامست الصفوف بنعيه ... كاد الفؤاد يكف عن خفقانه
ساءلت حين قضي عليُّ فجأة: ... هل حل يوم الحشر قبل أوانه؟
سقط المؤبن وهو يسمع شعره ... من ذا يؤبنه بمثل بيانه؟!
وصف الزمان لنا وجاد بنفسه ... لتكون برهاناً على حدثانه
قال احذروا غدر الحمام معززاً ... بحياته ما قال بلسانه
لا تعجبوا من موته في حفله ... إن الشجاع يموت في ميدانه
بطل المنابر ما له من فوقها ... يهوى وكم عرفت ثبات جنانه؟
إن خانه ضعف المشيب فطالما ... قهر المنابر وهو في ريعانه
كلا لعمري لم يخنه مشيبه ... لكنَّ حس المرء من خُوَّانه
لم يجنها إلا رقيق شعوره ... والمرهف الحساس من وجدانه
حر قضى متأثراً ببيانه ... ولكم جنى فن على فنانه
يا شاعراً طار اسمه بقوادم ... من عبقريته ومن إتقانه
ما دان يوماً للصغار بصيته ... أو دان للزلفى برفعة شانه
والمجد منه زائف وممحض ... لا تخلطوا بلوره بجمانه
ما كل لماع يبرق ممطر ... البرق غير الآل في لمعانه
عرش القوافي بعد موتك شاغر ... يا طول ما يلقاه من أشجانه
قل للذي يومي إليه بلحظه ... هذا مجال لست من فرسانه