لا هُمَّ حكمك في الورى جارٍ وما ... من حيلة للعبد في جريانه
الطير ملء الروض أشكالا فما ... للسهم لا يصمى سوى كروانه؟
يمضي العظيم من الرجال فينبري ... لمكانه خلفاء من أقرانه
والشاعر الموهوب فلتة دهره ... إن مات أعيا الدهر سد مكانه
قل للرياض قضى عليُّ نحبه ... ولطيرها الشادي على أفنانه
الشاعر الغرِد المحلق في السها ... بجناحه قد كف عن طيرانه
بكت اللآليُ بعده لاَّ لَها ... وتساءل الياقوت عن دهقانه
وتساءل التاريخ عمن شعره ... كان السجل لحادثات زمانه
بكت الكنانة في علي شاعراً ... جعل اسمها كالنجم في دورانه
عف اللسان مؤدب الأوزان لم ... يتلق وحي الشعر عن شيطانه
بل كان نفح الخلد أمتعنا به ... حيناً وعاد به إلى رضوانه
للنيل شاد بشعره ما لم يشد ... فرعون والهرمان من بنيانه
من كل بيت في السها شرفاته ... تتلألأ الأضواء في أركانه
يعيى الفراعنة الشداد أساسه ... ويحار ذو القرنين في جدرانه
شعر إذا غنى به لم يبق من ... لم يروه كالبرق في سريانه
غنى الطروب به على قيثاره ... وترنم المحزون في أحزانه
بهر العذارى حسنه فوددن لو ... صيغت قلائدهن من عقيانه
ويكاد سامعه يفسر لفظه ... من قبل أن يسري إلى آذانه
تغري سلاسته الغرير فيقتفى ... آثاره سيراً على قضبانه
حتى إذا هد المسير كيانه ... حصب الورى بالصلد من صوانه
يا رب ديوان تأنق ربه ... في طبعه وافتن في عنوانه
لا يسمع اليقظان وقع قريضه ... حتى يدب النوم في أجفانه
والشعر إما خالد أو مدرج ... من ليلة الميلاد في أكفانه
قالوا: عليُّ شاعر؛ فأجبت: بل ... ساقٍ عصير الكرم ملء دنانه
قم سائل الفقهاء: هل في شرعهم ... حرج على ثمل بخمرة حانه؟