للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الذي نعمله]

للأستاذ عباس محمود العقاد

جاءتني من الأديب صاحب الإمضاء رسالة يقول في ختامها:

(. . . قد رأيت بما لي من حق طالب العلم على أستاذه أن أطلب إلى سيدي الأستاذ أن يتبع هذا المقال بنفحة أخرى تبين لنا ما نعمله لنبلغ من أمرنا ما نريد، وأرجو ألا يعتبر مني هذا اقتراحا أو ما في معناه وإنما هو محض استزادة من خير علمك العميق النظيف. . . .)

أحمد حنفي نصار القوصي

وهذا سؤال حقيق بأن يسأل، وكنت أود أن يسأل، فهو حقيق بأن يجاب

وجوابي للأديب أن حاجتنا الكبرى إنما هي أن نعلم كيف نريد لا أن نعلم كيف نعمل. فإذا أردنا عملنا؛ وكل مريد عامل وعارف بوسيلته إلى إنجاز مراده

مضى زمن والناس يتحدثون عن الإرادة والعمل كأنهما قدرتان مفصولتان، وعن العاطفة والفكر كأنهما شيئان لا يتلاقيان، وعن الخيال وفهم الواقع كأنهما ملكتان نقيضتان، إلى آخر ما يفرقون ويقابلون بين ملكات الطبائع وخصائص الأذهان. وهذا خطأ في تصوير الحقائق يتبعه لا محالة في تصوير العلاج والإصلاح

ليست الإرادة والعمل ولا غيرهما من الملكات والطبائع خطين متلاحقين يبدأ أحدهما عند نهاية الآخر، أو جسمين متحيزين لا يجتمعان في مكان واحد، وإنما هما مظهران من قوة النفس يصدران عن معين لا يتجزأ ولا ينفصل بالحدود والمعالم. فإذا امتلأت النفس بالقدرة على الإرادة فقد امتلأت بالقدرة على العمل في وقت واحد وفي صورة واحدة؛ ولن يفشل في عمله - وقد تهيأت للعمل أسبابه - إلا لأنه ناقص الإرادة

أرأيت إلى الناس وهم يطلبون السيادة ولا يبلغها منهم إلا قليل؟ ما بال قوم منهم يبلغونها وأقوام ينكلون عنها خاسئين؟

إنما يبلغها من بلغ لأنه أرادها ولم يرد غيرها. فهو سيد وإن تراخى الزمن دون الإقرار له بالسيادة؛ وهو سيد لأنه لن يكون عبداً وإن أخطأته الذرائع إلى حين

أما الذي يبغي أن يسود ولا يأبى أن يكون عبدا فأين هو من إرادة السيادة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>