وأما الذي يبغي أن يسود ولا يختلف عنده مقام السيد الرفيع ومقام العبد الذليل فأين هو من إرادة السيادة؟
وأما الذي يبغي أن يسود ويحسب أن الناس يسودونه قبل أن يسود عليهم فأين هو من إرادة السيادة؟
قل إنه يتمنى أن يسود، أو قل إنه يحلم بأن يسود، أو قل إنه لا يكره أن يسود؛ فأما أنه يريد فمعاذ الإرادة أن تجتمع ونقيضها في عزيمة واحدة؛ ومعاذ الإرادة أن تجتمع ولا يتبعها عمل ولا يتبع العمل نجاح.
لماذا لا نعمل؟ لأننا لا نريد! ولماذا لا نريد؟ لأن زادنا من الحس والوعي والخيال قليل
ومع هذا نحن لا نُزهي بشيء كما نزهي بفرط الحس وفرط الوعي وفرط الخيال. . فهل رأيت إلى بعد ما بين الحقيقة والدعوى، وبعد ما بين وصف الداء ووصف العلاج؟!
إملاء النفس بالحس والوعي والخيال تملأها بالحركة والإرادة غير منفصلين. وانظر إلى الطفل الدارج لماذا لا يهدأ؟ ألانه قرأ الفصول والمباحث في فضل الحركة والنشاط؟ ألأن أحداً أمره أو أحداً أغراه؟ كلا! ولكنه يتحرك وينشط لأنه شبعان من الحس شبعان من إرادة العمل الذي يهواه. ولو سبب غير ذلك دعاه إلى الحركة والنشاط لما استجاب. إذا أحسسنا لم نصبر على الركود، وإذا نفضنا الركود فماذا أمامنا غير الحركة والعمل؟ وماذا أمامنا غير الظفر والفلاح؟
لننس كل النسيان وأشد النسيان أننا - معاشر الشرقيين قوم مصابون بفرط الحس والوعي والخيال. فإننا لأبرأ الناس من هذا المصاب إن كان مصاباً. وإننا لأحوج الناس إلى هذا الشفاء، وهو شفاء
وآية ذلك أن نسأل كم عدد المعبرين عن الحس والخيال في الشرق كله؟ وكم عدد هؤلاء في أمة واحدة من أمم الدنيا المريدة العاملة؟
كم في أمة واحدة من أمم الدنيا المريدة العاملة السيدة الأيدة من مصورين ومثالين؟ وكم فيها من موسيقيين ومنشدين؟ وكم فيها من ممثلين ومخرجين وكتاب روايات وشعراء وأدباء؟ وكم فيها من متاحف وتماثيل؟ وكم فيها من باعة أزهار وأساتذة تجميل؟ وكم فيها من مغامرين مقاديم يبيعون الواقع بالخيال، ويستغنون عن الممكن الميسور بما يلوح للعاجزين