أقمنا ببغداد أربعة أيام، فأحدثنا العهد ببعض مشاهدها، وزرنا مرقد الملك الشهيد فيصل. رأينا في العراء على مقربة من دار البرلمان مقصورة من الخشب ترتفع عن الأرض درجات، وعلى بابها جندي شاهر السلاح. ففتح لنا الباب إلى ضريح مغطى بالورد والزهر: هذا بقية الجهاد من النفس الطماحة، هذا ميراث الخلود من العزائم المريرة، هنا صفحة من مجد الإسلام والعرب، هنا حلقة يصلها النسب والمجد والتاريخ بسيد المرسلين وخاتم النبيين. غاية تتقطع دونها الأعناق، ويعيا بمرامها كل سباق. أترى هذا المصحف على حافة الضريح؟ هذا كتاب الله يشهد للسلف بما قدم، ويدعو الخلف إلى أن يمضي قدماً على سنة الآباء وسنن المجد وهدى الإسلام. فيا بني العرب والإسلام إحذروا غضب الله، وسخط الآباء، ولعنة التاريخ، وسيروا بالراية إلى الغاية، وتبوأوا مكانكم في جبهة الخطوب وصدر الأجيال
فإنا أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر قرأنا صحائف المجد والعبر. ثم قرأنا الفاتحة وخرجنا نقول: رحم الله فيصلاً!
وفي اليوم الثاني شرُفنا بين يدي جلالة الملك الشاب غازي بن فيصل! اقتربنا من الحجرة الملكية فرأينا جلالته وافقاً، فلما ولجنا الباب تقدم إلينافحيانا تحية العربي الكريم ضيفانه، وتلقانا كما يتلقى الأخ العظيم إخوانه. وجلسنا فسألنا كيف صحة جلالة مصر، وسألنا عما رأينا في سفرنا وما لقينا في حلنا وترحالنا، وكيف رأينا تقدم العراق بعد زورتنا الأولى، ثم تحدث أحاديث ملؤها الأمل والطموح في مستقبل العراق والعرب والإسلام. قلنا وإنا لندعو الله أن ييسر للملك الهاشمي العظيم السير على سنن آبائه، ويرعاه قرة عين للعرب والمسلمين. ثم خرجنا فرحين مغتبطين، فقلنا قد رأبنا في فيصل صفحات من مجد الأمس! وهذه صفحات من مجد الغد
نبنى كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
فصدق اللهم آمالنا، ومهد لنا طريقنا، ويسر لنا غايتنا. وزرنا مسجد الإمام أبي حنيفة والمدرسة الأعظمية ودار الكتب. وزرنا في الفندق كثير من إخواننا البغداديين، وتنافسوا