في دعوتنا إلى ضيافتهم، ولكن ضاق الوقت عن إجابة الدعوات، إلا دعوتين سبقتا قبل سفرنا إلى طهران من الأستاذ الفاضل أبي خلدون ساطع بك الحصري مدير كلية الحقوق، والأديب الهمام رفائيل بطي مدير جريدة البلاد، فذهبنا إلى حفلتين نعمنا فيهما بلقاء جمع من زعماء العراق وعلمائه وأدبائه، وسعدنا بأحاديث في الأخوة والمودة، والسياسة والعلم والأدب
وفي اليوم الأخير كانت حفلة الوداع في دار المفوضية المصرية، إذ دعا الأستاذ حافظ بك عامر القائم بأعمال المفوضية جمعاً من أعيان بغداد، ومن المستشرقين الذين رافقونا في حفلات الفردوسي، وسفير إيران ببغداد وغيرهم إلى مأدبة شاي، ولم تكن هذه أول حفاوة حافظ بك والأخ حسين أفندي منصور سكرتير المفوضية
وبرحنا بغداد بكرة يوم الاثنين في سيارة جديدة من سيارات شركة (نيرن) ذات عشر عجلات طولها ٢٥ متراً، وهي نمط جديد مركب من جزأين: القاطرة والعربة. وقد أريد بفصل المقدم من سائر العربة إضعاف الارتجاج، فالسيارة تسير رهواُ في الطريق غير المعبدة. وقفنا قليلاً في الرمادي، فرأينا سيارة كبيرة تقل نفراً من الإنكليز، فيهم أطفال ونساء، وقد كتب عليها ما يدل على أنها سائرة من الهند إلى لندرة، سألت بعضهم متى فصلتم من الهند؟ قال: منذ شهر. قلت: ومتى تبلغون لندرة؟ قال: بعد شهر ونصف، لأننا سنلبث في القسطنطينية وبعض البلاد. فهانت علينا الشقة بين طوس والقاهرة، وأكبرنا هذه العزائم السيارة
بعيد مناط الهم فالغرب مشرق ... إذا ما رمى عينيه والشرق مغرب
وبلغنا الرطبة بعد الغروب فلبثنا ساعتين، جلسنا في فندق هناك نستمع إلي الغناء المصري، ونأكل ما تيسر من الزاد. ثم مشينا في أطراف الصحراء، فرأينا مجرى وادي حوران الذي يسيل من حوارن إلى وادي الفرات، ولم يكن به يومئذ ماء، ورأينا هناك آبارا يستقى منها الأعراب الضاربون في تلك النواحي وقد جاء إليناأطفال الأعراب، فسألهم أحد الرفاق عن أسمائهم فلم يجيبوا، فقلت إن ابن البادية يتحرز من ذكر اسمه واسم قبيلته حتى يأنس، فلما استأنسناهم بالحديث والعطاء صرحوا بالأسماء
طلعت الشمس ونحن في أرباض دمشق، فدخلناها في نضرة الصباح، وأشعة الشمس تموج