تكفلت في إحدى السنين بتربية طفل (شقي) تعود تنفيذ كل ما يضطرب في عقله الصغير من رغبات، وما يجول في قلبه البريء من أماني، كما تعود أن يحمل غيره على تنفيذها إن لم يستطع هو. وقد عرفت فيه تلك العادة منذ اليوم الأول لتكفلي تربيته، إذ أراد أن يجرب خلقي وذوقي ومجاملتي، فرأى أن ذلك لا يتم له إلا بمضايقتي وتكدير خاطري. وبينما أنا غارق في نومي في منتصف الليلة الأولى، إذا به يستيقظ من نومه ويجلس تحت سريره، ثم يلبس (الروب دي شامبر) ويدعوني، فنهضت وأشعلت الشمعة، وسألته عن أمره وماذا يريد، فلم يطلب شيئاً، ولم يبد سبباً لنهوضه؛ بل عاد إلى سريره واحتواه النوم بعد ربع ساعة، راضياً عن تجربته، مقتنعاً بحسن مجاملتي، مبتهجاً لقوته وسلطانه! وبعد يومين أعاد تلك التجربة بنفس النجاح، أما أنا فلم أبد أية إشارة إلى الضجر، أو علامة على نفاد الصبر، ولكني قلت له حين عانقني عند عودته إلى النوم:(اسمع يا صديقي الصغير. إن هذا حسن جداً منك، ولكن لا تكرره ثانية)
وقد أثارت هذه الكلمة فضوله وهيجت منه حب الاستطلاع وأراد أن يرى كيف أجرؤ على عصيان أوامره السامية. لذلك لم يفته في الليلة التالية أن ينهض في منتصفها ويدعوني. . سألته ماذا يريد. فأجاب إنه لا يستطيع أن ينام. فأبديت أسفي الشديد وسكت. ثم رجاني أن أشعل الشمعة، فاستوضحته السبب، وصمت. عندئذ هب يدور حول الغرفة راكضاً، صائحاً، مغنياً، ضاجاً صاخباً، قالباً المناضد والكراسي، كل ذلك لإزعاجي والانتقام مني. ومع ذلك، فقد نهضت بصمت وسكون، وأشعلت الشمعة، ثم تناولت صاحبي الظريف بيدي، وأدخلته حجرة له مجاورة لحجرتي وتركته هناك بدون ضوء، بعد أن أغلقت الباب عليه بالمفتاح؛ ورجعت إلى فراشي بدون أن أتفوه بكلمة واحدة. ولا حاجة إلى القول بأن الضجة لم تنقطع بسرعة، ولكني أصغيت - بعد هدوئها - فعلمت أنه يرتب فراشه ويستعد للنوم، فاطمئننت وهدأ روعي. ولما كان الصباح دخلت غرفته فرأيته مستلقياً على فراش صغير وغارقاً في نوم عميق