لم تكن قصة (بنت الباشا) هي آخر حديثه عن الزواج، وإن كانت آخر ما أنشأ في هذا الموضوع بخصوصه؛ ثم بقي عنده طائفة من المعاني والخواطر في موضوع الزواج والمرأة جاءت مبعثرة في طائفة من المقالات من بعد؛ ومنها مقالة (احذري) وهي قصيدة من النثر الشعري مترجمة عن الملك، تقع منزلتها بازاء القصيدة المترجمة عن الشيطان في مقالة (لحوم البحر).
وكان الرافعي في هذه الفقرة قد اصطنع مودة بينه وبين طائفة من الشباب اللاهين، كانت تجمعهم قوة (لمنوس) في طنطا للعبث واللهو والمجانة؛ فتألفهم بالنادرة والفكاهة ليجمعهم إليه فيستمع إلى أحاديثهم في شئون المرأة والزواج؛ وقد قدَّمت القول في بعض ما سبق من هذه الفصول بأن ذهن الرافعي كان سريع الالتفات إلى معاني المرأة، وكانت أعصابه قوية الانفعال بحديث النساء، حتى لتراه وهو يستمع إلى محدِّثه إذ يتحدث عن الحب والمرأة كأنما يخيل إليه أنه يرى قصة ما يسمع، وأنه يشهد حادثة لا حديثا؛ ثم يزيِّن له خياله ما يزين فيضيف من وهمه إلى ما سمع ما لم يسمع؛ فتراه كما ترى الفتى المراهق: يجد حديث الغزل والحب حريقا في دمه وثورة في أعصابه لا حديثا في أذنيه. . . فيستزيد مما يسمع وهو صاغٍ ملذوذ؛ فيحمل محدثه بذلك على الإطناب والاسترسال حتى ينفض جملة ما في نفسه من رواية الواقع أو مبتدعات الخيال. . .!
وعلى شدة إحساس الرافعي بمعاني (الجنس) إلى هذا الحد، فانه بإيمانه وخلقه وتديُّنه واعتصامه بالوحدة، كان قليل الخبرة ضئيل المعارف في هذا الباب: فكان له علم جديد في كل ما يسمع من هؤلاء الفتيان من قصص ما بين الشبان والشابات من ناشئة هذا الجيل؛