وكان هذا العلم الجديد يسرع به إلى سوء الظن بكل فتى وكل فتاة، وكان من هذا الظن مذهبه الاجتماعي الذي يعرفه القراء.
من أحاديث هؤلاء الفتيان، كان إليه وحي المعاني في قصيدة (احذري)؛ كما كانت توحى إليه حوادث بعض الصحف وأحاديث بعض المجلات بكثير من المعاني وكثير من الموضاعات؛ إذ كان يحرص على أن يقرأ كل ما تنشره الصحف والمجلات من أحاديث الهوى والشباب ومصارع الأخلاق.
وكان الرافعي يختلف في طنطا إلى بيوت طائفة من مهاجرة لبنان كان بينه وبينهم صداقة ومودة؛ فكان يزورهم بين أهليهم، فيكرمونه ويتسعون له ويحفون به؛ والرافعي محدِّث لبق ظريف المسامرة؛ فكانت مجالسه هناك تطول ساعات يتحدث إليهم ويتحدثون إليه. وفي بيوت المتمصرين من أهل لبنان عادات غير ما نعرف في بيوتنا، فكان الرافعي يجد هنالك جواً يوحي إليه ويمده بعلم جديد. . .
وأنا لم أصحب الرافعي في طنطا إلى (زيارة مصرية) إلا فيما ندر، على أني كثيراً ما كنت أصحبه في تلك الزيارات. . .!
وأعترف بأن الرافعي لم يكن يقصد إلى زيارة أصدقائه هؤلاء لغرض مما يتزاور من أجله الأصدقاء، ولكنها كانت زيارات يقصد بها إلى معنى مما يتصل بفنه وأدبه؛ وأحسب أن كثيراً ممن كان يزورهم ويزورهن كن يعرفن له ذلك فيهيئن له أسبابه وكثير من نساء لبنان أحفل بالأدب من رجال في مصر.
وقد صحبته مرة إلى زيارة أسرة الآنسة ق، وهي فتاة ذكية من أهل الفن والأدب؛ وقد ألحَّ عليَّ يومئذ إلحاحاً شديداً أن أصحبه، ولم أكن أعلم ما يقصد إليه بهذه الزيارة إلا أن تكون تسلية بريئة ومتاعاً من متاع أهل الفن.
وكنت في ذلك اليوم صانعاً أغنية عامية في معنى من معاني الشباب تعبر عن حال من حالي في تلك الفترة، ودفعتها إلى الرافعي لينظر فيها؛ فلما قرأها طواها وجعلها في جيبه. . .
. . . وصحبت الرافعي إلى حيث يريد، فاستقبلتنا الفتاة وأمها وشاب من قرابتها، ثم لم يكد يستقر بنا المجلس، وأهل الدار حافون بنا يبالغون في إكرامنا، حتى أخرج الرافعي الورقة